الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ }

قوله تعالى { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } هذا التسخير وقوع نور الفعل معها ومباشرة انوار الصفات فيها بواسطة الفعل فيظهر روح الفعل فيها فتقبل فيض الصفة من الصفة فصارت خاضعة متخشعة فى نور عظمته تعالى فلما وصل اليها الحان داود من حيث روحه العاشقة ترنمت بالحان العشق من اغصان ورد الجمال والجلال فتحركت من لذة سماع صوت داود وتسبيحه وتنزيهه فوافقت داود فى الذكر والتسبيح وكذلك الطيور اذا سمعت اصوات الوصلة منه صفرت بصفير التنزيه وتقديس من وجدان حلاوة وجد داود وادراك روح الملكوت لانهن مقدسات خلقن مستعدات لقبول انوار فعل الخاص واشكال الروحانيات وفيهن خويصات لهن عشق ومعرفة كالهدهد والبلبل والعندليب والقمرى والحمامة ومالك الحزين وكان عليه الصلاة والسّلام يعرف اصواتهن وتسبيحهن من حيث المحبة والعشق الا ترى كيف انشد
رب ورقاء هتوف بالضحى   ذات شجو صرخت فى فنن
فبكائى ربما أرّقها   وبكاءها ربما أرقني
هى ان تشكُ فما افهم ما   واذا اشكو فما تفهمنى
غير انى بالجوى اعرفها   وهى ايضا بالجوى تعرفنى
وخاصية العشى والاشراق ان فيهما زيادة ظهور انوار قدرته القديمة واثار بركة عظمته العظيمة وان وقت الضحى وقت صحو اهل السكر من خمار شهود المقامات المحمودة وان العشى وقت اقبال المقبلين الى مشاهد المناجاة وادراك انوار المشاهدات واستماع طيب الخطابات قال محمد بن على الترمذى لما اخلص هو فى تسبيحه لربه جعل الله الجماد يوافقه فى تسبيحه ويعينه على عبادته قال ابن عباس كان يفهم تسبيح الحجر والشجر بالعشى والاشراق وقال الاستاذ كان يفهم تسبيح الجبال على وجه تخصيصه به كرامة له ومعجزه وكذلك الطير كانت تجتمع اليه فتسبح لله وداود كان يعرف تسبيح الطير وكل من تحقق بحاله ساعده كل شئ.