الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

قوله تعالى { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ } كان خاطر النبى صلى الله عليه وسلم ارق من ماء السّماء بل الطف من نور العرش والكرسى من كثرة ما ورد عليه نور الحق فكان ملطفا بنور نوره مرققاً بلذائذ محبه وشوقه لا يحتمل رحمة مقالة المنكرين وهذا من كمال جلاله فى المعرفة لا انه لم يكن صابرا فى مقام العبودية بل كان حبيس الحق واهل ملكوته وسرادق مجده كيف يسمع سخرية المستهزئين على دينه وشريعته فمع ذلك امره الحق بالصبر على ما قالوا واعلمه بان ذلك امتحان من ولاية القهر والواجب على العاشق الصادق ان يستقيم فى مشاهدة القهر كما يستقيم فى مشاهدة اللطف واصل الصبر التلبس بنعت صبر الازل حتى يمكن احتمال اثقال امتحانه به والا كيف يحتمل الحدث وارد القدم وامر له بالاتصاف به ومع ذلك ذكره شان داود عليه الصلاة والسّلام فى صبره على ما قالوا فيه حين عشق بعروس من عرائسه حين تجلى الحق منها له فانه كان عاشق الحق وكان فى مبادى عشقه فسلاّه بواسطة من وسايطة حتى لا يفنى فيه به ثم زاد فى وصفه حين قوي فى المحبة بالقوة الملكوتية بقوله { ذَا ٱلأَيْدِ } واحب نفسه له حامل اثقال قهره به راجع من الوسيلة الى الاصل بقوله { إِنَّهُ أَوَّابٌ } رجع الى الحق بنعت الندم على ما سلف من ايامه فى الفترة من عين القدم بغيره من اهل العدم وان كان طريقا منه اليه اى كن يا محمد كداود فى بلائى فانا بلاء الانبياء والمرسلين والعرفاء والصديقين قال شاه الكرمانى الصبر ثلاثة اشياء ترك الشكوى وصدق الرضا وقبول القضاء بحلاوة القلب وقال بعضهم هو الفناء فى البلاء بلا ظهور واشتكاء قال بعضهم ذا الأيد ذا الصبر فى امر دينه.