الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } لما احتوى الولد خلة ابيه وكل حقايقه صار اهلا لقربان الحق وفداء كشف جماله وذلك ايضا محل امتحان الخليل وبه فانه لما وجده اهل الحق استانس فغار به الحق وأراد أن يتجرد سره من الغير حتى لا يبقى بين الخليلين شئ من الحدثان قال ابن عطا لما سعى فى الطاعة سعيه وقام بحقوق الله حسب ما رضى به الخليل قرت عينه بقيامه بحقوق مولاه انس الخليل به وفرح بمكانه فقيل له اذبحه فانه لا يصلح للخليل ان يفرح الى شئ دون خليله ولا يفرح بسواه فابتلى بذبحه ثم لما سلم وقام مقام الاستقامة وابتع الامر فداة بذبح عظيم قال الواسطى نقل الله ابراهيم من حال البشرية اغلى غيرها وهو انه لما متحنه بذبح ابنه ارادان يزيل عن سره محبة غيره ويثبت فى قلبه محبته لان وجود محبة الله فى قلب ابراهيم مع رحمة الولد محال فنظر الى أقرب الاشياء الى قلبه ووجد ابنه اقرب فامر بذبحه وليس المبتغى منه تحصيل الذبح انما هو اخلاء السر منه وترك عادة الطبيعة وحينئذ نودى وفديناه بذبح عظيم اى قد حصلت ما طالبناك به وافيا وحصل لنا منك ما اردناه ولما وجد الذبح رؤية المبلى فى البلاء ومشاهدته ولذة وصاله وجد نفسه فى موقع البلاء فى محل حلاوة شهود جمال الحق اياه مستلذة ببلائه حين شاهدته بوصف الاستيناس به بنعت سقوط الآلام عنها فسلمها الى مولاها بوصف الرضا والتسليم واخبر عن كمال استقامة حاله فى الصبر والرضا وذلك قوله { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } صفا حاله في سكر وصال الحق فاجترى على استقبال البلاء واسقط التجلد عن صفة وجوده واستعان بالله فى الصبر فى بلائه حيث استثنى بقوله { إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } قال ابو سعيد الخراز اسرع الاجابة بقوله افعل ما تومر لانه قد اخلاهما من علم ما يراد بهما كيلا يعرجا على رؤية السّلامة فيزول معنى البلاء من يقع موضع الخصوص لا يتقرب بالصبر على حقيقة موجودة قال رويم افعل ما تومر يقبح للخليل مخالفة خليله او التقصير فى امره وهلاك الولد وذهابه أهون من مخالفة من اتخذك خليلا وقال بعضهم افعل ما تومر فانى قد شاهدت من قلبى رشدى وجوارحى كلها راضية بما امرت به.