الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }

قوله تعالى { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } من الله على عباده المصطفين فى الازل بمعرفته ومحبته ان اعطاهم كتابه وعلمهم عجايبه وغرائبه فالاصطفائية تقدمت الوارثة اصطفا بمحبته ومشاهدته ثم خاطبهم بما له عندهم وما لهم عنده وهذه الميراث الذى اورثهم من جهة نسب معرفتهم به واصطفائيته اياهم وهو محل القرب والانبساط لذلك قال ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا ذكر (ثم) للتاخير ثم قسمهم على ثلاثة اقسام ظالم ومقتصد وسابق والحمد لله الذى جعل الظالم من أهل الاصطفائية. ألا ترى أنه ذكر الاصطفائية ثم ذكر الظالم وقرنه بالمقتصد والسابق؟ فالظالم عندى - والله أعلم واحكم -: الذى وازى القدم بشرط ارادة حمل وارد جميع الذات والصفات وطلب كنه الالوهية بنعت ادراكه فاى ظالم اعظم منه اذا طلب شيئا مستحيلا الا ترى الله سبحانه كيف وصف بهذا الظلم بقوله وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولاً وهذا من كمال شوقه الى حقيقة الحق وكمال عشقه ومحبته جلاله وجماله وايضا الظالم من اظهر سر الاسرار من غلبة المواجيد عند الخلق وايضا الظالم من اخرج قدم المعرفة من جادة الرسوم من كمال سكره لانه خرج من حد التمكين وايضا الظالم الّذى غلب عليه عشق الازل ويريد ان يكون الازل بعينه وهذا نعت المتحد واى ظالم اعظم من الحادث الذى يدعي الأنائية على نعوت الحدوثية وإن كان معذوراً من جهة السكر والوله. وأيضاً: الظالم الذي وقف فى مقام لذة المشاهدة عن السير فى الالوهية وايضا الظالم الذى احتجب منه به ولا يعرف ان ذلك مكر الازل وايضا الظالم الذى يحب الحق لراحة مشاهدته وايضا الظالم الذى يطلب منه الكرامات والآلات والدرجات وايضا الظالم الذى آثر البقاء على الفناء والمقتصد والله اعلم الذى عرف الحق بالحق وجعل الخلق للحق ولا يتجاوز عن حدود العبودية الى عالم الربوبية والمقتصد ايضا الذى استوت احواله وافعاله واقواله وسكره وصحوه وفناؤه والسابق الخيرات هو المستقيم فى جميع الاحوال وصحوه اكثر من سكره وبقاؤه أقوى من فنائه وهو السابق فى الازل بالتقدم على اهل الاصطفائية من اهل الولاية وايضا الظالم المريد والمقتصد والمحب والسّابق العارف وقال الحسين البصرى السابق من رجحت حسناته والمقتصد من استوت حسناته وسياته والظالم الذى ترجح سياته على حسناته قال جعفر الصادق فرّق المؤمنين ثلاث فرق سماهم مؤمنين اولا عبادنا اضافهم الى نفسه تفضلا منه وكرما ثم قال اصطفيناهم جعلهم كلهم اصفياء مع علمه بتفاوت معاملاتهم ثم جمعهم فى اخر الأية يدخلون الجنة فقال { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } ثم بدا بالظالمين اخباراً انه لا يتقرب اليه الا بصرف كرمه وان الظلم لا يوثر فى الاصطفائية ثم ثنى بالمقتصدين لانهم بين الخوف والرجاء ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن احد مكره كلهم فى الجنة بحرمة كلمة الاخلاص قال الجنيد لما ذكر الميراث دل على ان الخلق فيه خاص وعام وان الميراث لمن هو اقرب واصح نسبا فتصحيح النسبة هو الاصل قال: الظالم الذى يحبه لنفسه والمقتصد الذى يحبه له والسابق هو الذى اسقط عنه مراده لمراد الحق فيه فلا يرى لنفسه طلبا ولا مراداً لغلبة سلطان الحق عليه سئل النوري عن قوله ثم اورثنا على ماذا عطف بقوله ثم قال عطف على ارادة الازل والامر المقضى قال ثم اورثنا من الخلق الذين سبقت لهم منا الاصطفائية فى الازل وقال عبد العزيز المكى المغفرة للظالمين والرحمة للمقتصدين والقربة للسابقين وقال الحسين الظالم الباقى مع حاله والمقتصد الفانى فى حاله والسابق المستغرق فى غناء حاله وقال النصرابادى لا ميراث الا عن نسبة صحح النسبة ثم ادّع الميراث وقال ايضا ميراث الكتاب للذين فهموا عن الله خطابه فكل فهم على قدره فالظالم فهم منه محل المغفرة والثواب والعقاب والمقتصد فهم منه محل الجزاء والاعراض والجنان والسابق استغرقه التلذذ بالخطاب عن ان يرجع منه إلى شئ سواه وقال ابو يزيد الظالم مضروب بسوط الامل مقتول بسيف الحرص مضطجع على باب الرجاء والمقتصد مضروب بسوط الحسرة مقتول بسيف الندامة مضطجع على باب الكرم والسابق مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الهيبة قال ابو يزيد الظالم فى ميدان العلم والمقتصد فى ميدان المعرفة والسابق فى ميدان الوجد قال محمد بن على الايمان للظالمين والمعرفة للمقتصدين والحقيقة للسابقين قال ابن عطاء الظالم معذب والمقتصد معاتب والسابق ناج مقرب قال بعضهم الظالم لنفسه أدم والمقتصد ابراهيم والسابق محمد صلوات الله عليهم وقال الاستاذ الظالم من نجم كواكب عقله والمقتصد من طلع بدر علمه والسابق من دارت شمس معرفته.