الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }

قوله تعالى { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } لما لم يكن للكون استعداد حمل امانة الربوبية بنعت الانفراد والفناء والسكر فى العشق والخروج بنعت الالوهية أبى ان يحملها لان سطوات الالوهية اذا بدت اضمحلت الاكوان والحدثان فيها وبقى أدم لانه كان مستعداً لقبول ذلك لانه كان مخلوقا بخلقه موصوفا بصفته مستحكما بتأييده الازلية ومباشرة نور صفته الخاصة بقوله خلقت بيدى قويا بقوة الروح القدسية التى بدت من ظهور نور الذات حين تجلى من القدم لأدم بقوله ونفخت فيه من روحى فاذا كان كذلك حمل امانة الله بالله لا بالحدثان فانه تعالى قائم بنفسه منزه عن مباشرة الحدوثية وفقد حمل انوار جميع الصفات والذات حيث صدر وجوده من تجلى الذات والصفات فخرج موصوفا بالصفات منوراً بنور الذات وهذه بجميعها الامانة ولا يكون لتلك الامانة موضع الا أدم ومن كان بوصفه من ذريته من الاولياء والانبياء فاذا قابل القدم وقبل الامانة فقد جهل بالقدم اصلا حيث قبل الكل بالبعض كذلك قال { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } اذ وازى الازل والابد مع علة الحدوثية جهولا حيث لم يعلم ان حقيقة التوحيد بالحقيقة مزلة اقدام الموحدين وكيف يكون صفوان القدم موضع اقدام الحدث فمجاز الامانة بعد ذلك المحبة والعشق والمعرفة وحقيقتها الامانية قال ابن عطا الامانة هى تحقيق التوحيد على سبيل التفريد قال الجنيد ان الله لمّا عرض الامانة على السماوات والارض والجبال فابوا حملها وعرض على أدم فقبلها ابوا حين ظنوا انهم اياهم يحملون حمل أدم حين علم انه به يحمله لا بنفسه وقال ايضا نظر أدم الى عرض الحق فانساه لذة العرض ثقل الامانة ولما عرض الخلائق والجمادات فاشفقوا وهربوا ظنوا ان الامانة تحمل بالنفوس فكشف لآدم أن حمل الأمانة بالقلب لا بالنفس فقال انا احملها فان القلب موضع نظر الحق واطلاعه فاذا أطلق ذلك يطيق حمل الامانة فان الامانة حدث واطلاع الحق وتجلية لم يطقها الجبال واطاقتها القلوب وأنشد
حملت بالقلب ما لا يحمل البدن   والقلب يحمل ما لا يحمل البدن
يا ليتنى كنت أدنى من يلوذ بكم   عيناً ويحظى كثير الحرص والشجن