الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قوله تعالى { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } المنقادين لامر الله بحسن الارادة { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } المشاهدين حضرته بنعت الايقان { وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ } القانتون هم المتمكنون فى العبودية { وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ } الصادقين فى محبة الله المتصفين لصدقه الازلى الذى لا يتكدر بطريان الامتحان { وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ } الصابرين فى الغيبة تحت اثقال الشوق والصابرين فى الحضرة فى مشاهدة الله تحت جريان سطوات عزته بان لا يبتغوا من الحق سر القدم من حدة السكر كما فعل موسى حيث قال من منى انت يا رب { وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ } المذابين تحت سلطان عظمته وقهر سلطان كبريائه { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ } الباذلين انفسهم لقربان القدم { وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ } الفاطمين انفسهم عن النظر الى ما دون الله وحب ما سوى الله { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ } الساترين عورات الحقائق عن نظر الاغيار { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } الذاكرين فى البداية بنور الافعال ثم الذاكرين بالاسماء ثم الذاكرين بالصفات بنعت رؤية انوارها وادراك اسرارها فى النهاية الذاكرين الذات فى الحالين ذاكرين الذات قبل مشاهدة الذات صرفا وعيانا وذلك من ظهور انواره فى قلوبهم الذاكرين ذاته فى عيانه كفاحا لان الذات لا يتناهى فهم فى اول الكشف مرهونون بما بدا لهم من جلال ذاته ويفنون فاذا فنوا استغاثوا منه اليه ان يعينهم بالقوة الازلية حتى يدخلها هممهم فى بحار الاولية التى لا ساحل لها فيبقون فى الذكر ابدا لانهم لا يتلقون لا ما يليق باحوالهم من الكشوفات والقربات وهؤلاء المذكورون من ازل المقام الى مقام الذكر عشرة أقوام بعضهم اهل البداية فى الاسلام وبعضهم اهل الايقان فى الايمان وبعضهم اهل العبودية الجمعة لجميع المعاملات وبعضهم اهل الصدق فى المحبة وترك ما دون الله والوفاء فى الحقيقة وبعضهم اهل مقام الرضا والتوكل وبعضهم اهل التواضع فى المشاهدة وبعضهم اهل السخا والكرم وبعضهم المتصفون بالصمدانية وبعضهم اهل الغيبة فى الغيب الذين لا يكشفون اسرارهم عن الخلق والمنتهى منهم المستغرق فى ذكر الذات والصفات كما وصفنا والجميع مأجورون من الحق بقدر منازلهم فى مقاماتهم بان يغفر قصورهم فى بذل المهج له ويكاشفهم استار الغيرة عن جمال المشاهدة بقوله { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } قال سهل الايمان افضل من الاسلام والتقوى فى الايمان افضل من الايمان واليقين فى التقوى افضل من التقوى والصدق فى اليقين افضل من اليقين وانما تمسكتم بادنى الاسلام فاياكم ان ينقلب من ايديكم وقال الاسلام حكم والايمان اصل والاحسان ثواب وقال ابن عطا لم يبلغ احد الى مقام الصدق بالصوم والصلاة ولا بشئ من الاجتهاد ولكن وصل الى مقام الصدق بان طرح نفسه بين يديه فقال انت انت ولا بد لنا منك وقال ايضا ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر والذاكر على الحقيقة من يعلم ان يشاهده فيراه بقلبه قريبا منه فيستحق منه ثم يوثره على نفسه وعلى كل شئ من جميع احواله سئل سهل ما الذكر قال الطاعة قيل ما الطاعة قال الاخلاص قيل ما الاخلاص قال المشاهدة قيل ما المشاهدة قال العبودية قيل ما العبودية قال الرضا قيل ما الرضا قال الافتقار قيل ما الافتقار قال التضرع والالتجاء سُلمَ سلم الى الممات قال بعضهم الخشوع باستحقار الكبر وجميع الصفات تحت هيبة الحق قال بعضهم الصابر هو الحابس نفسه عند اوامر الله والخاضع هو المتذلل والخاضع له والمتصدق هو الباذل نفسه وروحه وملكه فى رضا مالكه والصائم الممسك عن ما لا يرضاه الله والحافظ فرجه المراعى لحقوق الله عليه فى نفسه وقلبه والذاكر لله الناسى بذكره كل ما سواه أوجب الله على نفسه لمن هذه صفته ستر الذنوب عليه ومغفرتها له واجرا عظيما ثوابا لا حد له وهو رضى الله ورؤيته.