الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } العرش قبلة الملائكة والكرسى قبلة سكارى الحضرة والبيت المعمور قبلة السفرة والكعبة قبلة الناس عاماً وخاصا أحال الطائفين الى الوسائط وحجبهم بها عن مشاهدة جماله غيرة على نفسه عن ان يرى احد اليه سبيلا لانه وضع بيته قبل آدم وذريته ابتلاء وامتحانا لتحجبوا بالبيت عن صاحب البيت ومن اعرض سره عن الجهة فى توجهه الى الله صار الحق قبلة له فيكون هو قبلة الجميع كآدم كان قبلة الملائكة لانه وسيلة الحق بينه وبين ملائكته لما عليه كسوة جلاله وجماله كما قال عليه السلام خلق الله آدم على صورته يعنى القى عليه حسن صفاته ونور مشاهدته كما قال تعالى فى حق موسى والقيت عليك محبة منى والمحبة خاصه صفاته الازلية ومن اعرض من اهل العبودية عن آدم فمثله كمثل ابليس من الملائكة لان من شرط المعرفة العبور بالوسائط فى عالم العبودية فاذا كان محققا فى المشاهدة قال اى جهة توجه فثم وجه الله كما قال تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله لانه فى محل عين الجمع وكما قال بعض العارفين ما نظرت الى شئ الا ورايت الله فيه وايضا اوضع بيته وكساه بكسوة آياته الكبرى وهى نور القدرة ليجذب قلوب عباده اليه بوسيلته لاجل ذلك قال بيتى لتخصيص الاضافة ولانه منور بنور آياته الخاصة { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } سميت البكة لالتصاق ارواح العشاق به شوقا الى لقاء حبيبهم ولا زدحام العارفين اليه بالمبادرة والمسارعة ببذل المهج ويقال لا تعلق قلبك باول بيت وضع لك ولكن افرد سرك لاول حبيب انزله وقيل شتان بين عبد اعتكف عند اول بيت وضع له وبين عبد لازم حضرته عزيز كان له { مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِيْنَ } اى مقدسا من ان يلتصق به ريب الشاكين او تهمة المرائين او ان يرى وجه عروس الايات الى غير المخلصين وايضا تعظما بما كسا الله عليه من انوار قربه وحضرته وبركاته ان يسكن به قلوب المريدين ويكون مروحة لفؤاد المشتاقين وروضة الارواح الصادقين وريحانة لمشام العاشقين وهدى هاديا بانكشاف نوره للعالمين من المؤمنين وايضا هدى للمريدين الى رؤية الآيات وهدى للعارفين الى رؤية صاحب الآيات وهدى للخائفين الى مقامات الامن وهدى للمنقطعين الى شهود الانس وراشد للمحسنين الى مشاهدة الرب تبارك وتعالى وقال الاستاد بركاته اتصال الطاف والكشوفات هناك لمن قصده بهممه ونزل عليه بقصد هداه الى طريق رشده وقال الحسين ان الحق تعالى اورد تكليفه على ضربين تكليفا عن وسائط وتكليفا بالحقائق فتكليف الحقائق بدت معارفه منه وعادت اليه وتكليف الوسائط بدت معارفه عمن دونه ولم يتصل به الا بعد الترقي منها الى الفناء عنها فمن تكليف الوسائط اظهار البيت والكعبة فقال ان اول بيت وضع فما دمت متصلاً بة كنت منفصلا عنه فاذا انفصلت عنه حقيقة وصلت الى مظهره وواصفه وكنت مترسما بالبيت متحققا بواضعه قوله { فِيْهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ } البيت مرأة العارفين يتجلى الحق لهم بوسائط الايات ابهم الحق سر ظهوره فيه لئلا يطلع عليه كل اجنبى من هذه القصة وشان البيت وشجرة موسى سواه تجلى منها لموسى وتجلى منه لامة محمد صلى الله عليه وسلم واشار بالايات البينات الى نفسه تعالى وتقدس عن الحلول والنزول وبنعت الانتقال قال الأستاذ فيه ايات ولكن لا يدرك تلك الايات بابصار ولكن ببصائر القلوب وقال محمد بن الفضل فيه ايات بينات علامات ظاهرة يستدل بها العارفون على معروفهم قوله { مَّقَامُ إِبْرَاهِيْمَ } الرضا والتسليم والانبساط واليقين رضاه حين القى فى النار وتسليمه فى ذبح ولده وانبساط قوله رب ارنى ويقينه قوله وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السمٰوات والارض وليكون من وزيادته مقام المكاشفة فالمشاهدة والخلة والفتوة فمن وافق سره سر هذه المقامات فقد ادى حق مقام ابراهيم وايضا للخليل مقام المعرفة والتوحيد والفناء والبقاء والسكر والصحو فمن ذاق طعم السكر وتمكن فى الصحو وفنى عن اوصاف نفسه وبقى على اوصاف الحق بنعت الخلق عليه والتنور بانوار المعرفة والتلبس بلباس التوحيد وطار روحه فى سنأ القدم وطاش قلبه فى جلال الابدية وسار سره فى الملك الاعلى وهام عقله فى وادى العظمة والكبرياء واطمأنت نفسه فى احكام الربوبية بلا جزع وفزع فقد فاز برؤية مقام ابراهيم لانه محل التمكين قال الاستاذ مقام ابراهيم فى الظاهر ما باشر بقدمه وهو فى الاشارة ما وافق الخليل بهممه وقيل ان شرف مقام ابراهيم لانه اثر الخليل واثار الخليل عند الخليل اثر وخطرعظيم وقال الشبلى مقام ابراهيم هو الخلة فمن شاهد فيه مقام ابراهيم الخليل فهو شريف ومن شاهد فى مقام الحق فهو أشرف قال محمد بن على الترمذى مقام ابراهيم هو بذل النفس والولد والمال فى رضا خليله فمن نظر الى المقام ولم يتجلى مما تجلى منه ابراهيم من النفس والمال والولد ولم يسلم فقد بطل سفره وخابت رحلته قوله تعالى { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } من دخل مقام الانابة اعتصم بنور الكفاية عن تواتر المعصية ومن دخل مقام الزهد فقد استراح من هواجس الوسوسة ومن دخل مقام التوكل قلت من ضيق الاشتغال بالمكاسب ومن دخل مقام الرضا فقد فاز من الفناء ومن دخل مقام الوفاء فقد ذاق طعم الصفاء ومن دخل مقام الاستقامة فان من تلوين الخاطر ومن دخل مقام الاخلاص أمن من آفات الرياء والسمعة ومن دخل مقام الصدق أمن من رعونات النفس ومن دخل مقام التسليم مثل الخليل فقد خرج من تنازع النفس وتدبيرها وارادتها ولم يبق له اختيار وسكن فى اختيار الحق ومراده منه وأمن من خوف فوت المراد لان جميع الخوف من جهة فوت المراد فاذا لم يبق له مراد زال الخوف باسره منه ولم يبق للخوف مساغ فى وصفه ولا محالة ان دخول البيت لا يكون متسحسناً الا بتسليم الامور الى رب البيت فان من لم يكن بالتسليم موقوفا فى ترك مراده فهو معارض للتقدير فى جميع الامور وحسن الادب فى دخول البيت التسليم بنعت الرضا دون المعارضة ونزاع البشرية من دخل مقام المراقبة من بعد الاستقامة من الخطرات الردية ومن دخل مقام الانس فاءت عنه الوحشة وغربت عنه شره الفترة ومن دخل مقام الخوف امات الله عنه خوف زوال المحبة ووقر بنور الهيبة عند جميع الخلق ومن دخل مقام الرجاء شعشعت عنه دارات الامتحان ونزح عن افتنانها بحلاوة الدنيا وزهرتها لان من دخل قلبه سلطان حقائق الرجاء امن من نوازع البشرية وهواجس الطبيعة وقوارع النفسانية لان نور الرجاء من بحر الانس ونور الانس من بحر القدس والقدس من صفاته علا كبرياؤه وجلت عظمته ومن التجا الى ظل سلطان الوحدانية امن من غارات الشيطان لانه دخل فى قباب عصمته ومن كان فى مقام كنف ستر جبروته فانى يلحقه ايدى الشياطين قال الله تعالى

السابقالتالي
2 3