الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

{ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } اى ان اصل جميع المراد فى طاعتى فمن اين يطلبون صفاء العيش وفى اكناف قربى لذائذ انس العارفين وفى الطاف وصلى حلاوة مشاهدة القدس للموحدين وفى اطراف سبل عنايتى نجاح الكرامات للصديقين ومن تمسك بحبال أمال نفسه فهو عن عين عبوديتى منحرف ومن زاغ عن عبادتى فهو عن مشاهدة وحدانيتى وفردانيتى منعزل ومن عزل عن مشاهدة العبودية ورؤية الربوبية فهو من جملة المبطلين المستدعين الذين يتصرفون فى غيابات جب الهوى ويهيمون فى اودية العناء والجفاء ومن طالع غير حقائق الالوهية والازلية فقد وقع فى سراب الضلال ويتردد فى اغلوطات الشياطين فاذا انزل نزل فى قعر العناد واذا سار سار فى مغاليط النفس وحباء غبار البلاء وقال الواسطى من تمسك بغير الوحدانية بل بغير الواحد فهو بعيد من عين الحقيقة { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } اذا أظهر نفسه عن كبريائه فى مرأة الكون بنعت الجبروت انقاد له جميع الانام قهراً وجبراً لانه يقتضى ظهور سلطان الوحدانية وقوع الهيبة والاجلال فى وجوه الخلائق بالانفعال { طَوْعاً وَكَرْهاً } أسلم له العارفون ببذل الارواح طوعا لما عاينوه بحسن جمال القدم واسلم الجاهلون له ببذل النفوس كرها لما راوا من عظم قهره فى اظهار سلطنته وقهاريته وايضا سخر بعضهم بكشف جماله فاسلموا من مشقهم على مشاهدته طوعا واعجز بعضهم برؤيتهم عظمته فى لباس فعله وصنعه فاسلموا من هيبته عند انكشاف نور كبريائه عن الافاق كرها فاكرم قوما باسبال انوار التجلى على اسرارهم حتى يكونوا فى جريان قضائه وقدره بالطوع منقادين واذل قوما بارسال هيبة القهر على ظاهرهم فيكونون عند بروز سطوة جباريته بالكره مذللين وقال الحسين اخذهم عن شهود مثواهم بخصائص الاطلاع عليهم فمن طالع الذات اسلم طوعا ومن طالع الهيبة اسلم كرها قوله { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } اى صدقنا به بعد ان رايناه بعيون الاسرار وحقائق الانوار كما قال على بن ابى طالب رضى الله عنه لم اعبد ربا لم اره وايضا أمنا بالله اى بتوفيقه أمنا بالله لا بجهدنا وسعينا { وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } الآية ان من شرط المحبة قبول ما جاء به رسل الحبيب من عند الحبيب ولا فرق عنده بين المبشرين والمنذرين اذا كان المحب صادقا فى حبه وافهم ان من غلب عليه محبة الله تعالى عائن بابصار سره عالم الملكوت ويرى غيب الحق من الجنة والنار والملائكة والانبياء والاولياء والعرش والكرسى واللوح والقلم وانوار الحضرة فاذا انكشف هذه المغيبات له فكيف لا يؤمن بها بعد رؤيتها اذا اخبر الله اسرارها بلسان انبيائه واوليائه عليه والدليل على ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم بحارثة فقال يا حارثة لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك فقال عزفت نفسى عن الدنيا فاسهرت ليلى واظمات نهارى وكأني انظر إلى عرش ربى بارزا وكانى انظر الى اهل الجنة فى الجنة يتزاورون واهل النار فى النار يتعاودون فقال عليه السلام عرفت فالزم وقال ابن عطاء فى قوله قل أمنا بالله صدقنا واقمنا على طريق الصدق معه لانه الذى كتب علينا الايمان وخصنا فى علمه قبل ان اوجدنا فنحن مؤمنون به بسابق فضله علينا.