الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } اذا دخل زكريا على مريم وجد عندها من فواكه الالوان علم انها من نفائس كرامات الله تعالى فتحرك فيه غيرة النبوة وسكن هناك فى الخلوة وطلب من الله تعالى ولداً فاعطاه الله ما سأله وايضاً نظر بنور النبوة فى مريم فابصر فيها نور عيسى صلوات الله عليهم أجمعين يتشعشع فى مريم وراى كرامته عند الله فتمنى عليه ولداً مثل عيسى فناجى ربه بلسان الاضطرار وسال عنه يحيى عليه السلام مشكاة الانوار فاستجاب الله تعالى دعوة شيخ الانبياء شفقة على غيرته واظهاراً لكرامته وهذا احسن الادب للاولياء واهل المعرفة اذا كانوا يحتاجون الى الله تعالى بشئ من مرادهم خلوا عن الخلق ودخلوا فى زوايا الصدق حتى ينالوا بالاعتزال عن الخلق والاشتغال بالدنيا والاخلاص فى النجوى حقيقة مقام استجابة الدعوة لان من لزم باب سيده فى الخلوات والمراقبات يكشف له المقامات السنية والاحوال الشريفة من اسرار الآخرة وانوار المعرفة { قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } سال من الله من من يعينه فى طاعة الله ويكون له خليفة فى اداء الرسالة والنصيح للامة وايضاً يكون له مشاورات السير فى عالم الربوبية والعبودية ومؤنساً من الله فى الكشف والحقيقة والعشق والمحبة طيبة يعنى مطهراً من اشغال الكونين منفرداً عن ارادته مقدساً من شهواته فاذا علم الحق سبحانه صدق نيته اعطاه ماموله على الفور ليكون له معجزة وكرامة الاشارة فيه ان من طلب من الله شيئاً يعينه فى طاعته وسبباً لمرضاته فيحصل له استجابة الدعوة فى الساعة قوله تعالى { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ } محل مثلجات الحق الصلاة لانها فيه عصمة الحق فيها نزول الوحى من دخل فيها بشرط التفريد وخلوص النية الهمه الحق خصائص الخطاب واخبره بما يكون قبل أن يكون والمحراب محل لزوم المراقبين فيه لاجل تعرض السر نفحات اسرار الحق وبروز نور التوحيد وكشف جمال مشاهدة الحضرة والمحراب محل الانس وتصفية السر وذم الجوارح واشراق اليقين وسبب الزلفة ووجدان حلاوة العبادة واسترواح الروح من اداء صحبة الخلق بوجدان صحبة الحق والمحراب فقر العباد وملجا الزهاد ومعصم المتوكلين ومجلس المشتاقين ومسند الراضين وبستان المحبين وسرور المريدين ورياض العاشقين وكعبة المستانسين وحرم المؤمنين ونور التائبين وقيد الموحدين وستر الشطاحين اذا اراد الله ان يستر احداً من خاصة معرفته أعاده إليه ليكون له مقوياً فى مقاصده من الله وقال ابن عطاء ما فتح الله على عبد من عبيده حالة سنية الا باتباع الاوامر واخلاص الطاعات ولزوم المحاريب وقال الواسطى هو قائم بربه يصلى سره محاربة نفسه وهواه وقال ابو عثمان المحراب باب كل بر وموضع الاجابة واستفتاح الطريق الانبساط والمناجاة والاعراض عن المحراب سبب اغلاق الباب دونك قال الله تعالى { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ } وقيل ملازمة الخدمة يورثك آداب الخدمة وآداب الخدمة تورثك منازل القربة ومنازل القربة تورثك حلاوة الانس { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } يسمى يحيى لان من نظر اليه يرى مشاهدة الحق فى جمال نبوته فيحيى قلبه من موت الفترة وقيل انه حى به عقر امه وقيل انه سبب من آمن بقلبه { وَسَيِّداً وَحَصُوراً } السيد الذى قد غلب عليه نور هيبة عزة الحق جل وعلا والحصور الذى عصم عن جميع الشهوات بعصمة الازلية وايضاً السيد الذى خلعه نور الانانية وكساه لباس الفردانية وتوّجه بتيجان البهاء حتى يستحق ان يستحيى منه جميع الخلق ويضعوا تحت امره ونهيه اعناق الجبرية والحصور المقدس عن شوائب التقليد وعن الالتفات الى الكونين وقيل سيداً لانه لم يطلب لنفسه مقاما ولا شاهدا لنفسه قدراً وقال جعفر بن محمد السيد الذى عرف ربه وانكر ما دونه والحصور الذى يملك ولا يُملك والسيد الذى يالف ولا يؤلف والحصور الذى لا يعرف سوى الله وقال السيد الذى ساد اهل زمانه باخلاقه والحصور الذى حصر ماءه عن النساء وسمى يحيى حصورا لانه قرع فى قلبه تلك العظمة فخذ فيه ماء الشهوات وصار حصورا ومحصورا وقال ابن عطاء السيد المتحقق بحقيقة الحق والحصور المنزه عن الاكوان وما فيها وقال جعفر السيد المبائن عن الخلق وصفاً وحالاً وخلقاً وقال النصرابادى السيد من صحح نسبته مع الحق فاستوجب به ميراث نسبته وقال الجنيد السيد الذى جاد بالكونين عوضا عن ربه وقال محمد بن على السيد من استوت احواله عند المنع والعطاء وقال ابن منصور السيد من خلى من اوصاف البشرية واظهر بنعوت الربوبية قوله تعالى { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً } لما وعد الله تعالى نبيه عليه السلام بيحيى طلب من الله تعالى علامة وقت ظهوره ولا يشك فى وعد الله لكن غرضه طمأنينه قلبه ليتهيأ اسباب الادب لزمان ظهور موهبة الله استقبالا الى الله بشكر نعمته ليدوم عليه مواهب الالهية { قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً } حصر لسان نبيه عليه السلام عن المكالمة والمحادثة مع غير الله ليتجرد سره وحاله عن ازدحام الخلق وذكرهم والادب فيه ان من يطلب من الله تعالى شيئا من معانى الغيب ورؤية معجزته وكرامته ولا يتجرك لسانه بالفضولات وقلبه لا يخطر به من طوارقات الوسواس حتى يكون ظاهره وباطنه مشغولا بالحق لان التفرق اذا وقع فى الظاهر يتشوش به الباطن واجاز له الرمز ليدفع به ضيق قلبه ومن دخل عليه من اهله والرمز من الانبياء للاولياء والرمز من الاولياء الخاصة المريدين وحقيقة الرمز من تعريض السر الى السر واظهار التفرس الى التفرس واعلام الخاطر الى الخاطر بنعت تحريك سلسلة المواصلة بين المخاطب والمخاطَب { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً } الذكر الكثير هٰهنا تخليص النية عن الخطرات وجمع الهموم بنعت تصفية السر في المناجاة وتحير الروح فى المشاهدات ادب الله اهل محبته وارادته بما اخبر عن معجزة زكريا واستجابة دعوته حتى اذا ارادوا كشف الغيب واستجابة الدعوة اعتزلوا عن الخلق وعن محادثتهم وتركوا ما لا يعنيهم وقطعوا لسانهم بمقاريض الصمت وجعلوه رطبا بذكر الله فى ايام مناجاتهم التى ارادوا فيها كشف المقصودة.