الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً } الآية اصطفى آدم بعلم الصفات وكشف جمال الذات قبل خلق الخلق فى ازل الآزال فاذا اراد خلق روحه نظر بجماله الى جلاله ونظر بجلاله الى جماله فظهر بين النظرين روح آدم فخلقها بصفة الخاص ونفخ فى روحه روحاً وهو علم الصفات بفعل الخاص الذى يتعلق بالذات وخلق ايضاً صورته بصفة الخاص ونفخ فيها روح الاول وروح الثانى فوصف روحه فقالوَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } ووصف صورته فقالخَلَقْتُ بِيَدَيَّ } فسبق بهذه الصفات من الملائكة الكرام البررة والبسه خلعة خلافته واسجد له ملائكته لاجل هذا التخصيص كرامة له وتشريفاً وتفضيلاً على مشايخ الملكوت وقالإِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } وقالٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } لا توثر فى نعوت الازل طوارقات الحدوث ما دام الاصطفاء بهذه الصفة سابقاً له وايضاً اصطفاهم لنفسه عن خلقه لموقع الخطاب وكشف النقاب لاستعدادهم تحمل اثقال امانته والتعمق فى بحار ازليته والسيران فى ميادين وحدانيته والطيران فى هواء فوقانيته لطلب كشف احديته وجمال سرمديته والاشارة فى نوح وآل ابراهيم ان الاصطفاء من سبب المحبة الازلية لا من جهة الانساب الحدثية كما قال الاستاذ رحمة الله عليه اتفق آدم وذريته فى الطبقة وانما الخصوصية بالاصطفاء الذى هو من قبله لا بالنسب والسبب وقال الفارس اصطفاهم على الناس لثبوته واستخلصهم لرسالته فهم المعبوثون الى خلقه رحمة على اوليائه وحجة على اعدائه فهم الدعاة الى الله بالحكمة والموعظة مبشرين عباده جزيل الثواب ومنذرين اليم العقابلِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } اذ لو شاء لهداهم اجمعين قال الواسطى اصطفاهم للولاية وقال ايضاً واصطفاهم فى ازليتة وصفاهم لقربه وصافاهم لموديه وقال ايضاً اصطفاء فى الازل قبل كونه اعلم بهذا خلقه ان عصيان آدم لا يؤثر فى اصطفائيته له لانه سبق العصيان مع علم الحق بما يكون منه وقال ايضاً اصطفى الانبياء للمشاهدة والتقريب واصطفى المؤمنين للمطالعة والتهذيب واصطفى العالم للمخاطبة والترتيب وقال النصرابادى اذا نظرت الى آدم بصفته لقيته بقولهوَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ } واذا لقيته بصفة الحق لقيته بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ آدَمَ } وماذا يؤثر العصيان فى الاصطفاء وقال الواسطى الاصطفائية قائم بالحق والمعصية اظهار البشرية وتوبة اعجب لانه من نفسه الى نفسه رجع قوله تعالى { إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } اى حراً عن رق النفس مقدساً عن مس الشيطان صافياً لك عما سواك مخلصاً فى مودتك صادقاً فى طاعتك موافقاً لخدمة اوليائك وايضاً حراً فى مقام مشاهدتك عن الاشتغال بخدمتك ليكون لك خالصا فى حظ الربوبية وايضاً حراً فى مقام عبوديتك بنعت محبتك منفرداً عن الاشتغال بالجنة والنار حتى يكون في عبادتك لك مفرداً عن الالتفات إلى شئ غيرك وايضاً ايقنت اسرار باطنها وقوع الانثى وان لم يعلمها بنص العقل فقالت احررت لك لانها موقع كلمتك يعنى عيسى عليه السلام ولا ينبغى لمن حمل حراً الا ان يكون هو ايضاً حراً قال الاستاذ المحرر الذى ليس فى رق شئ من المخلوقات حرره الحق فى سابق حكمه عن رق الاشتغال بجميع الوجود والأحوال قال جعفر محرراً اى عتيقاً من رق الدنيا وأهلها وقال محمد بن على فى قوله { إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } اى يكون لك عبداً مخلصاً ومن كان خالصاً لك كان حراً مما سواك وسئل سهل بن عبد الله عن المحرر فقال هو المعتق من ارادة نفسه ومتابعة هواه وقال النورى اى خادماً لاهل صفوتك قال ابو عثمان محرراً عن شغلى به وتدبيرى له فيكون مسلماً الى تدبيرك فيه حسن اختيارك له وقال محمد بن الفضل محرراً عن الاشتغال بالمكاسب قوله تعالى { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } قبول الحق لها انه اخلصها لعبادته وجعلها محل آيته وكرامته ورباها فى حجر صفوة انبيائه واوليائه وكشف لها من عظيم آياته ما لا يقوم بازائها اكثر اهل زمانها الانبياء وارسل اليها فى الظاهر روح القدس حتى يعلمها حسن الادب ونفخ فيها روح الخاص الذى هو طير الانس حتى يكون لها ذخيرة المآب وقال جعفر يقبلها حتى يعجب الانبياء مع علو اقدارهم فى عظم شانها عند الله الا يرى ان زكريا قال لها { انى لك هذا قالت هو من عند الله } اى من عند من تقبلنى وقال الواسطى بقبول حسن محفوظ قوله تعالى { وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } من انبتها شجرة الربوبية وسقاها من مياه القدرة حتى ثمرة النبوة ليكون الثمرة حياة الخلق لانها هى روح الحق يعنى عيسى وقيل اضاف الاحسان اليها فى الشريعة وفى الحقيقة حفظها وانبتها وقال ابن عطاء احسن النبات ما كان ثمرته مثل عيسى روح الله وقال الاستاذ { فتقبلها ربها بقبول حسن } حيث بلغها فوق ما تمنت امها وقيل القبول الحسن ان رباها على نعت العصمة حتى كانت بقبول

السابقالتالي
2