الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

{ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } حذر اصفيا بالفراق عن وصله بسبب محبة اعدائه وبهذا التخويف يربى خواص احبته فى قباب الشفقة واسبل بهذا عليهم نقاب الغيرة حتى لا يراهم سواه { وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } مشفق باوليائه واهل طاعته بان يسترهم عن ابصار الغفلة والجهلة واكرمهم بصحبة اهل التوحيد والمعرفة وبسط لهم بساط الشريعة والحقيقة حتى يردوا موارد الانبياء والرسل وشربوا من مناهل المقربين شراب الصفا ولبسوا من نسج المكروبين اثواب الوفا وسئل ابو عثمان عن قوله لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء فقال لا ينبسط شئ الى مبتدع لفضل عشيرة ولا لقرابة نسب ولا يلقاه الا ووجهه له كاره فان فعل شيئاً من ذلك فقد احب من ابغضه الله وليس بولى الله من لا يوالى اولياء الله ولا يعادى اعداءه وقال ابن عطاء فى قوله ويحذركم الله نفسه انما يحذر نفسه من يعرفه فاما من لا يعرفه فان هذا الخطاب زائل عنه وقال الواسطى يحذركم الله نفسه فى دعوى اتيان شئ من الطاعات اذ فيه جذب الربوبية وقال ايضاً ذلك ان لا يامن احد ان يفعل به ما فعل بابليس زينة بانوار عصمته وهو عنده فى حقائق لعنته وسبق عليه ما سبق منه اليه حين غافصه فجأة باظهار علته وقال ايضاً انه لا يحذر نفسه من لا يعرفه وهذا خطاب الاكابر واما الاصاغر فخطابهمواتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله } واتقوا الله ما استطعتم } وقال جعفر يحذركم الله نفسه هذا خطاب للاكابر والله رءوف بالعباد خطاب للاصاغر وقال ابن عطاء احذر سطوته ونقمته فانه عزيز قهار وابذل روحك له واعلم انك مقصر مع هذا كله وانشد
لا تعرض بنا فهذا بنان   قد خضبناه بدم العشاق
وقال الواسطى: يحذركم ان تثبتوا نفسه بنفوسكم وبغت لقديمة عليكم باحوالكم الخديعة وان تنسوا الازلية بالاخرية والربوبية بالعبوديه فان الاصل اتم من الفرع وان العبودية انما ظهرت بالربوبية. وقال ابراهيم الخواص: علامة الحذر فى القلب دوام المراقبة وعلامة المراقبة التفقد للاحوال النازلة وقال جعفر يحذركم الله نفسه ان تشهد لنفسك بالصلاح لان من كان له سابقة ظهرت سابقته فى خاتمتة قال الاستاذ الاشارة من قوله { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } للعارفين ومن قوله { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } للمشتاقين فهؤلاء اصحاب العنف والعتوه وهؤلاء اصحاب التخفيف والسهولة وقيل اغناهم بقوله { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } ثم احياهم فابقاهم بقوله { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } وقال ابن عطاء رحمه الله العباد اجمع مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم وخص رحمة الرسول عليه السلام وقوفة على المؤمنين دون من سواهم وهذا كقول ابراهيم عليه السلام حين قالوَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ } قال ومن كفر فانه لا رازق فى السموات والارضين غيره ويسن فى ربوبيته تعالى ان يحذر اولياءه واعداءه فحذر اعداءه بما صدر من افعاله القديمة من نكال الجحيم والحطمة لانها قهر بالواسطة بين الافعال والصفات وحذر اولياءه والمؤمنين خاصة صفاته وذاته فتحذير المؤمنين بالصفات كالحرمان والهجران عن نواله وكرامته وتحذير اوليائه بعزة نفسه وهم على طبقات شتى وجمعهم فى وصول التوحيد وفرقهم فى منازل المقامات فحذر التائبين بالسلطنة وحذر الخائفين الوجلين بسطوات العظمة وحذر المحبين والمشتاقين والعاشقين بالعزة والجبرية وحذر العارفين والموحدين بصدمة الكبرياء والظمأة بحر الديمومية وبهذه الصفات يحذر اهل الانبساط والبسط والرجاء لسقوط سوء الادب عنهم فى مدارج التوحيد والكرامة.