الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } الآية ان الله تبارك وتعالى وتقدس كان بذاته وصفاته عالماً وعارفاً كما ينبغى منه لنفسه فشهد بنفسه لنفسه قبل القبل وكون البعد وكون الكون فليس مقابل علمه بنفسه جهل وليس مقابل معرفته بنفسه نكرة وليس مقابل شهادته بنفسه عجز ووحشة بل وصف نفسه بنفسه وشكر نفسه بنفسه اذ ليس للخلق الى معرفته والعلم بنفسه سبيل فاثنى بنفسه على نفسه لعلمه بعجز خلقه عن معرفة وجوده فمراده من شهادته بنفسه قبل وجود العالم تعليماً العبادة تلطفاً منه عليهم والا هو منزه عن وجود الخلق وان الله غنى عن العالمين فشهادته لنفسه حقيقة وشهادة الخلق له رسم والحقيقة بدأت من الحقيقة وتعود الى الحقيقة والرسم بدأ من الرسم ويعود الى الرسم لان القدم مفرد عن الحدث من جميع الوجوه علماً ورسماً وحقيقة ثم خلق الملائكة وكشف لهم ذرة من نور قدرته فاقتبسوا من نوره نوراً فابصروا به آثار أفعاله القديمة فشهدوا به بوحدانيته وازليته وسرمديته راى فيهم فى العبودية لا حقيقة منهم فى الربوبية فرضى الله تعالى به عنهم امراً ورسماً لا حقيقة ووصفاً ثم خلق الانبياء والاولياء فابرز لهم انوار جمال ذاته فى مصابيح ارواحهم قبل الاجساد بالفى الف عام فنظروا بنوره الى جمال جلاله وتحيروا فى كنه عظمته وكبرياء جبروته وعجزوا عن ثنانه ووصفه وشكره لنفسه خاطبهم الحق جل سلطانه بنعت تعريف نفسه لهم فقال الست بربكم قالوا بلى شهدنا فشهدوا بعد اقرارهم فى محل الخطاب فشاهدتهم رسم التعليم لا من حقيقة رسم القديم والفرق بين شهادة الملائكة وبنى آدم من اهل العلم ان الملائكة شهدوا من حيث اليقين واولوا العلم من حيث المشاهدة وأيضاً شهادة الملائكة من رؤية الافعال وشهادة العلماء من رؤية الصفات وايضا شهادة الملائكة من رؤية العظمة وشهادة العلماء من رؤية الجمال لاجل ذلك يتولد من رؤيتهم الخوف ومن رؤية العلماء الرجاء وشهادة العلماء بالتفاوت فشهادة بعضهم من المقامات وشهادة بعضهم من الحالات وشهادة بعضهم من المكاشفات وشهادة بعضهم من المشاهدات وخواص اهل العلم يشهدون به له بنعت ادارك القدم وبروز نور التوحيد من جمال الوحدانية فشهادتهم مستغرقة فى شهادة الحق لانهم فى محل المحو من رؤية القدم وسئل سهل بن عبد الله عن هذه الآية فقال شهد بنفسه ومشاهدة ذاته واستشهد من استشهد من خلقه قبل خلقه لهم فكان فى ذلك تنبيه انه عالم بما يكون قبل كونه لا يتجاوز احد من حكمه وقال ابن عطاء فى قوله { شهد الله } فقال دلنا من نفسه على نفسه باسماء وفيه بيان ربوبيته وصفاته فجعل لنا فى كلامه واسمائه شاهداً ودليلاً وانما فعل ذلك لان الله وحد نفسه ولم يكن معه غيره وكان الشاهد عليه توحيده ولا يستحق ان يشهد عليه من حيث الحقيقة سواه اذ هو الشاهد فلا شاهد معه ثم دعا الخلق الى شهادته فمن وافق شهادته شهادته فقد اصاب حظه من حقيقة التوحيد ومن حرم ضل وقال ابن عطاء ان الله شهد لنفسه بالفردانية والصمدية والابدية ثم خلق الخلق فشغلهم بعبادة هذه الكلمة فلا يطيقون حقيقة عبادتها لان شهادته لنفسه حق وشهادتهم بذلك رسم وانى يستوى الحق مع الرسم وقال ابو عبد الله القرشى فى قوله { شهد الله } فقال هو تعليم منه ولطف وارشاد لعباده الى ان شهدوا له بذلك لو لم يعلمهم ذلك لم يرشدهم لهلكوا كما هلك ابليس عند المعارضة وقال بعضهم شهادة الله لنفسه بما شهد به شهادة صدق ولا يقبل الشهادة الا من الصادقين فظهر بهذا انه لا يصلح التوحيد الا للصادقين دون غيرهم من الخلق وقال ابو يزيد رحمة الله عليه يوماً لأصحابه بقيت البارحة الى الصباح اجهد ان اقول لا اله الا الله فما قدرت عليه قيل ولمَ قال ذكرت كلمة قلتها فى صبائى جاءتنى وحشة تلك الكلمة فمنعتنى عن ذلك واعجب ممن يذكر الله وهو متصف بشئ من صفاته وقال الشبلى ما قلت قط الله الا واستغفرت من ذلك لان الله يقول { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فمن يشهد بذلك له من الاكوان الا عن امر او وغفلة وقال ابن عطاء اول ما خلقوا فى حقائق البقاء مع الله قنوا عن كل شئ دون الله حتى ثبتوا مع الله وقال الشبلى شهادة ان لا اله الا الله عشرة احرف ستة فى الظاهر واربعة فى الباطن فاما التى فى الظاهر فذكر الله بلا رياء والثاني اداء الامر بلا عيب ولا تقصير والثالث كف النفس عن المحارم والرابع النصيحة للمؤمنين والخامس الفرار من الآثام والسادس معاداة النفس واما اللواتى فى البواطن فايمان ومعرفة القلب ونية وخشوع وفكرة واستقامة مع رؤية التوفيق فمن فعل هذا كله فقد شهد الله بالحقيقة وقيل للشبلى لم تقول الله ولا تقول لا اله الا الله قال القول شمس تغالب فقدها بثبوتها فاذا استحال الفقد ماذا يغلب ثم قال وهل ينفى الا ما يسحيل كونه وهل يثبت الا ما يجوز فقده وقال المزنى رحمه الله دخل ابن منصور مكة فسئل عن شهادة الذر للحق بالوحدانية وعن التوحيد فتكلم فيه حتى نسينا التوحيد فقلنا هذا يليق بالحق به من حيث رضى به نعتاً وامراً لا يليق به وصفاً ولا حقيقة كما رضى بشكرنا لنعمه وانى يليق شكرنا بنعمه وقال ما دمت تشير فلست بموحد حتى يستولى الحق على اشارتك بافنائها عنك فلا يبقى مشير ولا اشارة وقال ابو سليمان الدارنى تطلب رضا ربك وتبخل بما لك وتعجز عن طاعتك كلا فالشاهد لله بالحقيقة من لا يبخل بروحه ونفسه وقلبه فى رضاء مولاه وقال بعضهم شهد الله علم الله لانه معلوم نفسه بكمال العلم والشهادة اخبار عن العلم والاسلام اصول وفروع وكلها ينشعب من اصل واحد وهى الوحدانية وقيل فى قوله { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } ان العلماء ثلاثة عالم بامر الله واحكامه فهم علماء الشريعة وعالم بصفاته ونعوته فهم علماء السنة وعالم به وباسمائه فهم العلماء الربانى قوله تعالى { هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } العزيز ان يمتنع كنه قدمه من مطالعة المخلوقين وايضاً العزيز الذى لا يصفه احد الا يرسم وصفه نفسه الحكيم هو الذى حكم حقيقة الشهادة لنفسه ورسمها بعباده والحكيم ايضاً الذى حجب الخلق عن نفسه ان يروه بما حصل لهم من رسم توحيده فى قلوبهم إن ما حصل من رسوم التوحيد للعباد مشوب بطيف الخيال وما يبرز من حقيقة التوحيد من جلال لعظمته يخالف ما خطر فى قلوبهم وقيل العزيز الممتنع عن ان يلحقه توحيد موحد او صفة واصف الا على الامرية الحكيم فيما يشهد به لنفسه قوله تعالى { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } الاسلام الرضا بمراد الحق وامضاء قضائه وقدره بنعت استقامة السر فى الباطن وقلة الاضطراب فى الظاهر ووجدان لذة المحبة وقت نزول البلاء والمحنة قال ابو عثمان ان الدين ما سلم لك من البدع والضلالة والهواء وسلمت فيه من الرياء والشهوة الخفيفة ورؤية الخلق وتعظيم الطاعة وقيل ان المتدين بالاسلام من سلم من رؤية الخلق وسلم قبله من شهوات نفسه وسلم روحه من خطرات قلبه وسلم سره من طيران روحه فهو فى حال الاستقامة مع الله وقال بعضهم اركان الاسلام اربعة التواضع والالفة وكظم الغيظ والصبر اذا تم هذه الاربعة وجد منه اربعة اخرى من التواضع التوكل ومن الالفة التسليم ومن كظم الغيظ التفويض ومن الصبر الرضا قال جعفر الصادق اذا لم يكن اسلام العبد على معرفة النعم من الله والتوكل عليه والتسليم لامره فهو على اسم الاسلام لا على حقيقة قوله تعالى { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } خص الله تعالى نفسه ومدحه بملك الربوبية وانه ذو الملك والملكوت والجبروت وملكه قديم وهو موصوف به فى الازل ويبقى له الى ابد الابد وهو مفرد به ثم خص بملكه الذى هو صفاته من يشاء من انبيائه واوليائه فالملك الذى خص الانبياء هو الاصطفاء والاجتباء والخلافة والنحلة والمحبة والتكليم والآيات والمعجزات والمعراج والمنهاج والرسالة والنبوة وخص بما ذكرت من بين الانبياء صلوات الله عليهم آدم وشيث وادريس ونوح وهود وصالحاً وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ويوسف ويونس ولوطاً وشعيباً وحزقيل وخضراً وموسى وهارون ويوشع وكالب وايواب وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ومحمداً سيد الرسل خاتم الانبياء صلوات الله عليهم اجمعين فكسا الله تعالى سفرة الانبياء والرسل عليهم السلام كسوة الربوبية والسلطنة فظهر منهم الآيات والمعجزات وقهروا بعز ملك النبوة والرسالة جبابرة الارض وهذا موهبة خالصة ازلية سبقت لهم بعناية الله تعالى في ازل علمه وحرمها على أهل الخذلان فى سابق علمه وهو معنى قوله { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } وما قال تعالى لخليله

السابقالتالي
2