الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله تعالى { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أعلم الحق سبحانه حقيقة لهيب نيران فؤاد المشتاقين وتسلاهم بخطابه وبما امرهم بالصبر فى لوعة الفراق اى اصبروا ايها المشتاقون فى ركوب عظائم الآم المحبة والشوق على قلوبكم بتذكيركم بلوغ وصالي فاذا اشتد الامر عليكم بالصبر فى بلائى صابروا على الصبر لكيلا يجزع صبركم فى عناء الفرقة والاحتراق فى المحبة اصبروا بمشاهدتى وصابروا بوصلتى فى طلبكم حقائق معرفتى اصبروا بأسراركم وصابروا باسراري ولا تكشفوها عند الاغيار واربطوا قلوبكم بكتمانها واتقوا الله فى افشاء السر كيلا تحتجبوا عنه لعلكم تفلحون تظفرون بنعمة جمالى وحسن وصالى وتفوزون من اليم عذاب فراقى وانشد ابو حمزة الصوفى
نهانى حياتى منك ان اكتم الهوى   واغنيتني بالفهم عنك من الكشف
تلطفت فى امرى فابدات شاهدى   الى غايتي واللطف يدرك باللطف
وانشد ابو بكر احمد بن ابراهيم المودب لابراهيم الخواص
صبرت على بعض الاذى خوف كله   ودافعت عن نفسى لنفسى فعزت
وجرعتها المكروه حتى تدربت   ولو جملة جرعتها لاشمأزّت
ألا رب ذل ساق للنفس عزة   ويا رب نفس بالتعزز ذلت
اذا ما مددت الكف التمس الغنى   الى غير من قال اسألونى فشلت
ساصبر نفسى ان فى الصبر عزة   وارضى بدنياي وان هى قلت
وانشد الشبلى فى حقائق الصبر:
عبرات خططن في الخد سطرا   فقراه من لم يحسن يقرا
صابر الصبر فاستغاث به الص   بر فصاح المحب بالصبر صبرا
قال الجنيد ان الله تعالى ذكروا الصبر وشرفه وعظم شأن الصابرين لديه فقال يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا امرهم بالصبر على الصبر ثم قال ورابطوا وهو ارتباط السر مع الله سراً والوقوف مع البلاء جهراً قال النبى صلى الله عليه وسلم " الصبر عند الصدمة الاولى " قال الحارث الصبر التهدف لسهام البلاء وقال الجريرى الصبر اسبال التولى قبل وقوع البلوى فاذا صارف البلوى تلقاه بالتولى ولم يجزع قال بعضهم اصبروا تحت حكمى وصابروا فى الحلاوة مع اعدائى واربطا قلوبهم بموافقتى ورضائى وقال جعفر اصبروا عن المعاصى وصابروا على الطاعات ورابطوا الارواح بالمشاهدة واتقوا الله اى اجتنوبا الانبساط مع الحق لعلكم تفلحون تبلغون مواقف اهل الصدق فانه محل الفلاح وقال بعضهم اصبروا بجوارحكم على الطاعات وصابروا بقلوبكم مع الله ورابطوا باسراركم بالحقائق سبل الشوق والمحبة وقال بعضهم اصبروا بالله وصابروا مع الله ورابطوا اسراركم بالحقائق لعلكم تجردون عن همومكم وخطراتكم قال ابن عطا الصبر والمصابرة للمحبين والمرابطة للعارفين وقال الصبر لله والمصابرة بالله والمرابطة مع الله وقال الاستاد الصبر فيها بتفردية العهد والمصابرة مع العدو والرباط نوع صبر ولكن على وجه مخصوص ويقال اول الصبر التصبر ثم الصبر ثم المصابرة ثم الاصطبار وهو نهايته ويقال اصبروا على الطاعات وعن المخالفات وصابروا فى ترك الهوى والشهوات وقطع المنى والعلاقات ورابطوا بالاستقامة في الصحبة في عموم الحالات ويقال اصبروا على ملاحظة الثواب وصابروا على ابتغاء القربة ورابطوا في محل الدنو أو الزلفة على شهود الجمال والعزة وقد وقع لى قول بعد اقوال اشباح المعرفة زيادة على قولى فى الاية قبل اقوالهم ان الله سبحانه اعلمنا فى هذه الاية بيان اربع مراتب من عظائم مقامات اهل الكمال فى التوحيد الاول مقام المعرفة والثانى مقام النكرة والثالث مقام الفناء والرابع مقام البقاء واضاف الصبر الى المعرفة والمصابرة الى النكرة والمرابطة الى الفناء والفلاح الى البقاء اى اصبروا فى معرفتى حيث اعرفكم نفسى بنفسى فان فى عرفانى مباشرة السر بالسر وتخلق الصفة بالصفة واتحاد الذات بالذات أي إذا كنتم فى مقام الاتحاد بادراك ربوبيتى اصبروا بكتمان دعوى الربوبية فانكم فى مقام المكر وانتم لا تعلمون واذا أوقعتم فى بحار ألوهيتى واختلط بكم بحار السرمدية والازلية ولا يعرفون طرق معرفتى بعد وقوعكم فى نكرتى ونكرتى جهلكم فى بعد معرفتكم بى حيث امتزج ظلام القهريات بانوار اللطفيات صابروا هناك لكى لا تدركوننى فيربحون بكم ذوق وصالى وسكر مشاهدتى وصحو صحبتى من غمرات النكرات فانكم فى النكرة على محل غيرتى عليّ لكم واذا انكشف لكم سطوات عظمة قدمى وبرزت انوار ازليتى وانتم فى محل الاضمحلال والفناء عنكم ورابطوا اسراركم فى انوارى كي لا تتلاشوا بى عنى فيفوتكم ادراك لطائف الغيبية ووضوح اسرار الازلية فاذا استُفهم فى الفناء عنكم ولقيتم بى عليّ تفلحون بإسبال بقائى عليكم حتى تخرجون من بحار الفناء بشرط البقاء فاذا صرتم باقين ببقائى فزتم عن ورطة الفناء بعد ذلك ولا تجرى عليكم احكام التلوين بعد الاستقامة والتمكين.