الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

قوله تعالى { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } فى هذه الاية اشارة لطيفة وذلك ان الله سبحانه وصف بادراك انوار صفة الازل وذات القدم فى ظهور قدرته فى فعله اى لهم برهان منه اليه لا من الخلق لان فى ايجاده غلقة يدركه نظار المعارف وحذاق الكواشف لا فى رؤية الخلق لان الحدث حجاب عن رؤية القدم وهذا مقام الخليل صلوات الله عليه احسن الادب وعلل فى السؤال برؤية الخلق مراده ادراك الربوبي المحضة وذلك السؤال اعظم من سؤال موسى لان موسى ما سأل رؤية الله تعالى قط بغير الواسطة وهذا عام وما سأل الخليل بالواسطة ادق لانه سر التقدير والقدرة من كمال شوقه من معرفته الى نكرته ومن نكرته الى معرفته وايضا خص السماء بظهور الايات منها لانها مزينة بنور جلاله ملتبسة بسنا جماله لانها مرآة كواشف الصديقين وطرق معارج المرسلين الا ترى الى قوله الله نور السموات والارض وقال وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وكشف جلاله للخليل بواسطة الشمس والقمر والنجم حتى قال هذا ربى وخاصية الارض لموقع اقدام الصديقين والانبياء والمرسلين واشراق نوره للمراقبين والمشاهدين لانها مقبوضة بطش الحق بقبضة العزة قوله والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه واخبر النبى صلى الله عليه وسلم فى معالم القدرة عن ظهور جلال الازل من مواقف المقدسية بقوله جاء الله من سينا واستعلن بساعير واشرف من جبال فاران وخص الليل لانها محل مناجاة العارفين وكشوف عظمته فهو الازل بنعت الهيبة للموحدين وخص النهار لانه سبب فرحة المحبين وموضع بسط المشتاقين ورؤية جلاله للمبصرين الذين يرون الله فى مرآة الكون بنور القدرة وسناء المعرفة وقفوا الباب المعارف على هذه الشواهد ورأوا الشاهد قبل المشاهد كما قال بعضهم ما نظرت الى شئ الا ورأيت الله فيه ارى الباء الحقيقة انور فعله فى السموات والارض والليل والنهار ثم اراهم فيها انوار القدرة الخاصة الصفاتية وارى ذاته تعالى فى انوار الصفة فعلل الحقائق بلفظ المجهول وابهم على الاغيار اسرار معانى الخطاب بقوله الآيات وعنى بالآيات ما ذكرنا انشد بعضهم
ان المودة لم تزل موصولة   قرر بلادى واكثر ودادى
واحذر عداة الحى ان يلقوك   وليظن العداة انك حادى
هذا محل الالتباس وشبيه ذلك ما اخبر تعالى لمن حق فهم ظهور جلال عظمته فى لباس المقهر وفعل المجهول من المقصرين فى نعوت الارادة حيث قال هل ينظرون الا ان ياتيهم الله فى ظلل من الغمام ومع هذا لو كانوا هؤلاء شاهدين على نعت رؤية الفردانية لم تحلهم الى رؤية الصفة فى الأيات لانها وسائط تليق بمقام المحبة وافراد القدم عن الحدوث مقام اهل التوحيد حيث يرونه به لا بغيره الا ترى كيف خاطب الحق من انسلخ من نعوت الحدث الى نعوت الازل صلى الله عليه وسلم حيث قال الم تر الى ربك ولولا انهم حجبوا بالعقول ما ردهم الى رؤية الحوادث بان الله سبحانه خلق العقول لجولانها فى الايات بنعت التفكير والتذكير وخلق الارواح لتنسم نفحات تجلى القدس من بساتين الانس وايضا من احتاج فى معرفة الله سبحانه الى رؤية الايات ليثبت بها وجود الحق سبحانه فهو عامى حيث يعرف القديم بالمحدث وان الاكوان تلاشت فى اول باد بدأ من نور العظمة والكبرياء القديم قال الجنيد كل من اثبته بعلة فقد اثبت غيره لان العلة لا تصحب الا معلولاً جل الحق عن ذلك وقال الواسطى فى هذه الآية هو فرق ما بين معرفة العامة ومعرفة المحققين لان العامة اعتقد به بما يليق بطبعها والخواص اعتقدوا به بما يليق به وكل حال اثبته العموم جحدته الخصوص فهو عند الخاص منزه من كل ما وصفه به العامة لان العام اعتقدوه من حيث العبودية والخاص اعتقدوه من حيث الربوبية وقال بعضهم ان الخواص لم ينظروا الى الكون والحوادث الا لمشاهدة الايات وما شاهدوا الايات الا لمشاهدة الحق فيها ومن شاهد الحق لم يمازح سريرته طعم الحدث وقال النصرابادى من لم يكن من اولي الالباب لم يكن له فى النظر الى السموات والارض اعتبار اولو الألباب هم الناظرون الى الخلق بعين الحق.