الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ } اى لمن اتقى الله عما سوى الله جنات المقامات فى المداناة فان المتقى من الدنيا وشهواتها فله جنة اليقين وان تبقى المتقى من الآخرة جنة المكاشفة وان تبقى المتقى من النفس فله جنة المشاهدة بنعت الرضا كما قال تعالىيٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } وقيل من عمل رجاء الجنة فان غاية بلوغه الى غاية رجائه من دخول الجنة ومن كانت معاملته على رؤية الرضا فان له الرضوان قال الله تعالى:وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } قوله تعالى { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } بصير بالعباد فى تقلب ارواحهم فى عالم الملكوت محترقات من سطوات انوار الجبروت حباً لجواره وشوقاً الى لقائه يجازيهم بقدر همومها في صرف طلب وجه الازلى وجمال الابدى وقيل عالم بهمم العاملين وارادتهم قوله تعالى: { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } الصابرين عن جميع حظوظهم لله والصادقين في معاملة الله والقانتين بنعت الرضا عن الله والمنفقين نفوسهم لله وبالله والمستغفرين عن التفاتهم الى غير الله بالاسحار حين اشرقت انوار المشاهدة لاهل المكاشفة وايضاً الصابرين عن الله بالله وبالله لله ولله فى الله ولله مع الله والصادقين فى دعوى محبة الله بنعت كشف مشاهدة الله والقانتين بشرط الاخلاص فى عبوديته لله والمنفقين حياتهم في رضا الله والمستغفرين عن الخطوات في اوقات المناجات وقيل الصابرين على صدق المقصود والصادقين فى العهود القانتين لحفظ الحدود والمستغفرين عن اعمالهم واحوالهم عند استيلاء سلطان التوحيد وقيل الصابرين الذين صبروا على الطلب ولم يتعللوا بالهرب ولم يحتشموا من التعب وهجروا كل راحة وطرب صبروا على البلوى ورفضوا الشكوى حتى وصلوا الى الموتى ولم يقطعهم شئ من الدنيا والعقبى والصادقين الذين صدقوا فى الطلب فقصدوا ثم وردوا ثم صدقوا حين شهدوا ثم صدقوا حتى وجدوا ثم صدقوا حتى فقدوا ترتيبهم قصود ثم ورود ثم شهود ثم وجود ثم خمود والقانتين الذين لازموا الباب داوموا على تجرع الاكتساب وترك المحاب وبغض الاصحاب الى أن تحققوا بالاقتراب والمنفقين الذين جادوا بنفوسهم من حيث الاعمال ثم جادوا بميسورهم من الاموال ثم جادوا بقلوبهم بصدق الاحوال ثم جادوا بترك كل حظ لهم فى العاجل والآجل استهلاكاً عن القرب فى الوصال بما لقوا به من الاصطلام والاستيصال والمستغفرين عن جميع ذلك اذا رجعوا الى الصحو عند الاسحار يعنى ظهور الاسفار وهو فجر القلوب لا فجر يظهر فى الاقطار وقال ابو عمرو المكى ليس الصبر ترك الاختيار على الله ولكن الصبر هو الثبات فيه وتلاقى بلائه بالرحب والرغبة وقال عمرو من صبر على رؤية المنة يكون تلذذاً بالبلاء كتلذذه بالمنن اذ هما من عين واحد وقال جعفر الصبر ما كتب فيه محفوظاً والتصبر فيه ما رددت فيه إلى حالك وعجزك وقال ابن عطاء الصابرون هم الذين صبروا بالله فى طاعة الله مع الله والصادقون هم الذين صدقوا ما عاهدوا والله عليه عن صدق قولهم واعتماد صحيح وسر لا يشوبه شئ والقانتون هم الذين اطاعوا فى سرهم وعلانيتهم والمستغفرون بالاسحار الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع وقال بعضهم الصابرين مع الله على موارد قضائه والصادقين فى توحيدهم ومحبتهم والقانتين الراجعين اليه فى السراء والضراء والمنفقين ما سواه والمستغفرين بالاسحار من افعالهم واقوالهم وقال ابن عطاء الصابرين الذين صبروا على ما امروا به والصادقين الذين صدقوا ما اقروا به من الميثاق الاول والقانتين القائمين لفنون العبادات والمنفقين الذين ينفقون انفسهم وارواحهم فى رضا مولاهم والمستغفرين بالاسحار الذين لا يفترون عن خدمته بحال وقال ايضاً الصابرين الذين حبسوا انفسهم على مطالعة المكاشفات والصادقين الذين صدقوا فى محبته والقانتين الذين ربطوا انفسهم بخدمته والمستغفرين بالاسحار لزموا الباب الى ان يؤذن لهم وقال ايضاً الصبر مقام المحبين والصدق مقام العارفين والقنوت مقام العابدين والانفاق مقام المريدين والاستغفار مقام المذنبين.