الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

قوله تعالى { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } ان الله سبحانه خلق قلوب هذه الامة وقت ايجادها فى رؤية جمال القدم ونورها بالحسن والرجاء واخرج ارواحها من العدم الى عالم البسط والسرور وسنا المشاهدة والسماع والحبور والبسها خلق اللطف فصارت مستعدة لرؤية الالطاف قابلة نور الأنس ومن كمال حكمة الله ولطفه علينا خلق نبينا صلى الله عليه وسلم على خلق البسط وروح الانس فوافقت المرافقة وحصلت فى البين اهلية ودانت الارواح وقربت الاشباح فبقت الحشمة وفنيت الغلظة وصار رحمة تامة لهذه الأمة المرحومة وتصديق ذلك قوله تعالى { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } تبين من الخطاب لطف الجانبين نسب الفعل إلى النبى صلى الله عليه وسلم وان كان غير متكلف فى التليين لانه كان مخلوقاً باللطف والكرم من الله وفيها الاشارة الى تأديب الصحابة اى لو كان النبى صلى الله عليه وسلم يدقق عليهم احكام الحقائق لضاقت صدورهم ولم يتحملوا اثقال حقيقة الاداب فى الطريق ولكن سامحهم بالشريعة والرخص بحقائق ما اوجبه الله عليه وتصديق ذلك قوله تعالى: { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } فالعفو والاستغفار من مسامحة الله لهم فاعف عنهم تقصيرهم قلة عرفانهم اقدارك واستغفر لهم ما يجرى فى صدورهم من الخطرات التى لا تليق بالمعرفة وما يجرى على صورهم من الحركات التى لا تليق بصحبتك ومجالستك لانك مستغرق فى الربوبية وهم يطلبونك فى مقام العبودية وهم فى وصف المحبة والارادة فانت فى محل التوحيد المشاهد لمطالع شموس الازل واقمار الاباد قال الواسطى فى قوله { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } جميع اوصافك وما يخرج من انفاسك رحمة منى عليك وعلى من اتبعك وقال ابن عطاء لما علا خلقه جميع الاخلاق عظمت المؤنة عليه فامر بالفض والعفو والاستغفار قال الحارث المحاسبى فى قوله { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } نسب ما كان منه فى ذلك من اللين والمداراة الى نفسه بقوله برحمتى لنت لهم وما كان الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم انك لنت لولا انه لينه بمعرفته وفقه للمداراة قال الفارسى انظر كيف وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم باللين والشفقة ثم عراه عن اوصافه فقوله { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } وذاك حق قيامك بنا وهجرانك الخلق اجمع قال الاستاذ يقال ان من خصائص رحمته سبحانه عليه ان قواه حتى صحبهم وصبر على تبليغ الرسالة مع الذى كان يقاسيه من اخلاقهم مع سلطان ما كان مستغرقا له ولجميع اوقاته من استيلاء الحق عليه فلولا قوة الالهية استأثره الحق بها والا متى اطاق صحبتهم الا ترى الى موسى لما كان قريب العهد بسماع كلامه كيف له يصبر على مخاطبة اخيه واخذ برأس اخيه يجره اليه وقال الاستاذ فى قوله { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ } لو سقيتهم صرف شراب التوحيد غير ممزوج بما فيه لهم حظ لتفرقوا هائمين على وجوههم غير مطيقين الوقوف معك لحظة وقوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } اذا كان فى محل العبودية وامور الشريعة وعالم العقل امره لله بحسن معاشرته معهم واستبشارهم فى وقائع مستقبلات القدر كيف يقبلونها بالعقول والقلوب بنعت التفكر والصبر فى احكامه لانهم كانوا يشربون من سواقى بحاره ولانهم فى مقام الولاية وهو فى مقام الرسالة والنبوة وهما واحد فى عين الجمع يرون الغيب بنور الفراسة وهو يراه بانوار النبوة والرسالة وكان عليه السلام يحتاج فى محل العبودية الى نصرة الصحابة له فى الدين واذا كان فى مشاهدة الربوبية وخرج من التفرقة الى الجميع امره الله سبحانه بافراد القدم عن الحدث حيث تجرد فى سيره مما لله الى الله بقوله { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } فانه حسبك فيما يريد منه.