الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } افهم ان مواقيت الانبياء والاولياء وقت سير الاسرار من بدو الارادة الى عالم الانوار وانفاسهم من بدو الارادة بل من وقت الولادة بل من كون الروح من العدم فى مشاهدة القدم ومنقسمة على شرائف الاحوال فى كل نفس لهم سر وحال ووجد وخطاب ومقام وكشف ومشاهدة فاجل الارادة اجل المعاملات واجل الحالات فاذا تم اوائل المعارف وامارات الكواشف لموسى ولم يبق عليه حق الارادات والمقامات والمعاملات وظهر له عين القدم فى عين الجمع وبان نور الازل فى النار بعد انقضاء الاجل قال { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } والحكمة فى ذلك ان طبع الانسانية يميل الى الاشياء المعهودة لذلك تجلى النور فى الناس لاستئناسه بلباس الالتباس فاخبر عن حال الاستئناس وقال انّى انست نارا اى ابصرتها وآنتسها ولا تخلق النار من الاستئناس خاصة فى الشتاء وكان شتاء تجلى الحق بالنور فى لباس النار لانه كان فى طلب النار فاخذ الحق مراده وتجلى من حيث ارادته وهذا سنته تعالى الا ترى الى جبرائيل انه اذا علم ان النبى صلى الله عليه وسلم احب وحيه فاكثر اتيانه اليه كان على صورة حية فلما وصل موسى الى المقصود ذهب النار وبقى النور وذهب الانس وبقى القدس ثم ذهب النور وظهر عين الصفة ثم عين الذات فلما وله تحير فى صولة الازل وبان العيان لم يبق له العرفان وظن ظنونا منها انه كان فى سره اين انا وايش ما ارى هل يكون لموسى ما يرى موسى او ان موسى نام عن موسى وما يرى لا يرى او يرى ولا يعرف فكاد ان يضمحل فى الحيرة اذ بان الكشف بالبداهة خارجا عن العادة فناداه الحق اين انت يا موسى انى انا الله فاوقعه بطيب الخطاب من الفناء الى البقاء ومن التفرقة الى الجمع حتى انس بالانس ثم القدس وبقى مع الحق بنعت الفرقان فى محل العيان فاوائل الاحوال كان رسما ثم وسما ثم واسطة ثم حقيقة فارتفع الوسائط وبقى الحقائق وذلك بقوله { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ } اتى من الاكوان والحدثان الى بساط الرحمن ونودى له من شاطئ واد الازل فى ساحة القدم من شجرة الذات باصوات الصفات ان يا موسى انى انا اشارة البعد فى القرب والقرب فى البعد والغيبة فى الحضور والحضور فى الغيبة اشار الى الهوية ثم الى كشف العيان بقوله { إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ } اى اخرج انت من انت من حيث انت فانى انا الله ابقى لك فانظر الىّ بعين منا حتى ترى الالوهية وتعلم الحقيقة قال ابن عطا فى قوله فلما قضى موسى الاجل لما أتم اجل المحبة ودنا ايام القربة والزلفة واظهار انوار النبوة عليه سار باهله ليشترك معه فى لطائف الصنع وقال جعفر فى قوله أنس من جانب الطور ناراً ابصر ناراً دالة على الانوار لانه راى النور على هيئة النار فلما دنا منها شملته انوار القدس وأحاطت به جلابيب الانس فخوطب باللطف خطابا واستدعى منه احسن جواب فصار بذلك مكلما شريفا مقربا اعطى ما سأل وأومن مما خاف وذلك قوله أنس من جانب الطور ناراً قال ابو بكر بن طاهر أنس سره برؤية النار لما كان فيه من عظيم الشان وعلو المرتبة فاخرج الرؤية بلفظ أنست اى أرى هذه النار رؤية مستانس بها لا مستوحش منها فدنا منها فانسه طهارة الموضع وما سمع فيه من مناجاة ربه وكلامه فتحقق بالانس وقال الواسطى الوسائط فى الحقيقة لا اوزان لها ولا اخطار وانما هى علل الضعف الطاقات كما جعل الواسطة به موسى بينه الشجرة نادى فى البقعة المباركة من الشجرة ان يا موسى ثم دفع الواسطة ثانيا فقال يا موسى انى اصطفيتك قال ابو سعيد القرشى ذلك الشجرة فى مخاطبة الكلام تعلل التطيق بذلك التعلل حمل موارد الخطاب عليه كما تعلل النبى صلى الله عليه وسلم بقوله

السابقالتالي
2 3