الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }

قوله تعالى { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } لمّا تخلص من مقام تربية ارادة وفاز من صحبة الاضداد ومقام الامتحان هاج سره بحق الحق واستنشق روحه رائحة ورد الوصال وراى برما من سحايب القربة قال فى نفسه { عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } اى يهدينى ربى الى مشاهدته ويسمعنى كلامه وذلك سواء سبيل المعرفة لان المعرفة بحقيقتها مستفادة من المشاهدة ومن هناك تبدو سبل قدم الذات ومعرفة ازلية الصفات فمدين اشارة الى مشاهدة عالم الازل والابد وتوجهه كان اليها بالحقيقة فوجد نسائم ذلك من جانب مدين لان هناك مواضع الكشف والخطاب وصعود انوار نبوة شعيب عليه السّلام وذلك كما قال عليه السّلام فى اخباره عن وجدانه نسيم نفخة كشف جمال الحق فى مزار قلب أويس القرنى رحمة الله عليه " انى لاجد نفس الرحمن من قبل اليمن " قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السّلام انى لاجد ريح يوسف قال جعفر توجه بوجهه الى ناحية مدين وتوجه بقلبه الى ربه طالبا فيه سبيل الهداية واكرمه الله بالكلام وكل من اقبل على الله بالكلية فان الله يبلغه مأموله قال ابو سعيد الخراز حملته الفراسة وتدابير المكالمة فيه الى ان توجه ارض الابد وهو ارض مدين فصادف بها شهباء وكان له فى لقائه اوائل البركات فلما اكمل هيجانه الى لقاء ربه قصد مدين بصورته وقصد بروحه موارد المشاهدة والمكاشفة بقوله { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } ورد سره موارد المكاشفة وسواقى المشاهدة وانهار القربة وبحار القدس والانس فشرب منها باقدح الاقداح شربات المحبة والعشق والشوق فصار هايما فى الملكوت حيرانا فى الجبروت قال الواسطى الوارد يطلب المقالة لثقل الحرمة والقاصد يطلب اللقا والظفر قال ابو بكر بن طاهر ورد فى الظاهر مدين ورد فى الحقيقة على مائك مياه الانس وبساتين المعرفة فوجد عليه امة اى خواص من العباد يرتعون فى تلك الميادين فانس بهم وشرب معهم من تلك المياه شربة اورثته ورده ذلك المورد الورود على مخاطبة الحق ووارثه شرب ذلك الماء الثبات فى حال المخاطبة ثم بين سبحانه مقام فراسة موسى بقوله { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } راى موسى بنور النبوة اهله وخاطبهما من حيث رؤية القلب ووجدان الاهلية واعانهما نصحا الطريقة واداء شرايط الارادة بقوله { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } استظل ظل العناية وطلب من هناك حقائق الكفاية بنعت الرضا والتسليم واظهر افتقاره الى وصول المشاهدة حين عاين كنوز القدم مفتوحة وجلابيب الصفات مكشوفة فانبسط اليه بالسوال حين انفرد من الخلق والخليقة قال ابن عطاء نظر من العبودية الى الربوبية فخشع وخضع وتكلم بلسان الافتقار بما ورد على سره من انوار الربوبية فافتقاره افتقار العبد الى مولاه فى جميع احواله لا افتقار سوال ولا طلب قال بعضهم تولى الى كهف الرعاية فان فيه الراحة والاسترواح قال رويم فى قوله ولما ورد ماء مدين مياه الرحمة والعناية لا تخلو من الواردين والطالبين والعاكفين عليها فمن ايد بالعناية سقى ماء الرحمة ومن أيد بالشفقة سقى ماء العناية ومن ايد بالكلاية سقى من ماء المعرفة ومن أيد بالانس سقى من ماء المحبة ومن أيد بالصدق سقى من ماء الصفاء وكل وارد مياه الحضرة يسقى على مقدار عطشه فمنهم من يروى من عطشه ومنهم من يزيد عطشا وهيمانا كلما ازداد من الشرب ازداد من الظمأ كما حكى عن ايوب عليه السلام انه قال من يشبع من رحمتك كذلك قيل والمشرب كثير الزخام

السابقالتالي
2