الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }

قوله تعالى { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } المضطر مستغرق فى بحار شوقه متحير فى اودية النكرة دهش فى ميادين المعرفة واله فى سراب الحيرة يريد ان يفنى فى الحق ويغلب عليه محبة الوصال وعشق الجمال والانس بالجلال غايب عن الخليقة واله بكشف الحقيقة مجاب الدعوة بكشف الوصلة يريد عشقه بعد معرفة جماله وجلاله وعشقه بوصاله بنعت الافتقار الى نوال دنوه يرى بحار مشاهدته وهو عطشان الى قطرة منها ويقول بوصف الاضطرار
لئن كان يهدى بردا نيابها العلى   لأفقر منى اننى لفقير
وهذا الفقير يكرمه لمخلص من نفسه وجود الحدثان وجميع الحجاب والفراق وألام البعد الا ترى كيف قال سبحانه ويكشف السوء قال سهل المضطر هو المبرى من الحول والقوة والاسباب المذمومة قال ابن عطا احوال المضطر ان يكون كالغريق او كالمتعطل فى مفازة قد اشرف على الهلاك قال عمرو المكى اوجب الله على الداعين له بصفة خصوص الاجابة وهو المضطر قال الله امن يجيب المضطر اذا دعاه وقال الحسين من شاهد اضطراره فليس بمضطر حتى يضطر فى اضطراره عن مشاهدة اضطراره بمشاهدة من اليه اضطرار وقال الاستاذ فصل بين الاجابة وكشف السوء فالاجابة بالقبول والكشف بالطول الاجابة بالكلام والكشف بالانعام ودعاء المضطر لا حجاب له ودعاء المظلوم لا رد له ولكل اجل كتاب ومعنى قوله { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } هذا وصف التمكين بعد التلوين والتجلى بعد الاستتار والحضور بعد الغيبة والغنى بعد الفقر والكشف بعد الحجاب والوصال بعد الفراق والوصلة بعد الحيرة يجعل العارفين ملوكا بعد كونهم مكدّين على باب جلاله مفتقرين الى وصاله بكشف جماله فاذا كانوا مستقرين على مساند الوصال فى مجال الجمال سكارى من شراب الموانسة بين ياسمين القربة لا يذكرون ايام الفراق بعد الوصال كما قال القائل
كأن الفتى لم يعر يوما اذا اكتسى   ولم يك صعلوكا اذا ما تمولا
حتى قال الاستاذ كما وعد للمضطر الاجابة وكشف السوء وعده ان يجعله من خلفاء الارض فان مع العسر يسرا.