الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

قوله تعالى { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ } الاشارة فى قوله أنا اتيك به الهاء راجع الى العرش لا الى الله وكان القائل به في درجة الاتحاد والانائية والاتصاف وعين الجمع وجمع الجمع لان المتصف بالقدرة يجرى عليه تصاريف الملك بغير رجوعه الى الله بنور العبودية والخضوع والدعاء كصنيع من كان فى محل العبودية لان من شاهد الربوبية يجرى عليها اوصاف الربوبية بغير اختياره وتكليفه واذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فاذا سال فاجيب ويحصل مراده بالدعاء فهم فى درجة الكرامات لا فى درجة الاتحاد والاتصاف ووصف الله أصف بانه كان عالما بالكتاب واشارة فيه انه كان عالما بعلوم الظاهر وعالما بعلوم الباطن وعرف معانى الاسم الاعظم فى الكتاب الذى انزل الله على موسى وهارون وابراهيم وداود وسليمان وادق الاشارة فيه ان ما كان عنده من علم الكتاب ما كان يطلع عليه من علم اسرار الله المكتوم فى الواح النور وذلك العلم كان مكاشفا لقلبه بنعت السرمدية لذلك قال عنده علم من الكتاب وقوله عنده علم من الكتاب ايضا فيه اشارة عين الجمع لان ما كان عنده فهو عند الله فاذا قال الله عنده علم من الكتاب فى الانبساط منه اليه وهو اشرف فى الفضل وفيه جواز الكرامات للاولياء فى زمان الانبياء والعلم بالاسم الاعظم قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الاسم الاعظم الذى دعا آصف يا حى يا قيوم " قال بعضهم هو أصف نظر الى عين الجمع وتكلم عن عين حقيقة جمع الجمع فقال انا أتيك به والهاء راجع الى الحق اى بالله وعونه ونصرته وقيل على لسان الجمع ايضا انا آتيك به اى الله ياتيك به كانه يقول ان الله قادر على ان ياتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك قال بعضهم فى قوله الذى عنده علو من الكتاب اى له نظر فى الغيب وعلم بمجارى الغيوب فعلم ان الله يريد ان ياتى سليمان بذلك فاخبر عن حقيقة الغيب ثم اخبر سبحانه عن رؤية سليمان فضله والثناء عليه والشكر له خاصة مفردا عن النظر الى الاغيار { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } فى قوله هذا من فضل ربى غيرة سليمان على اصف ورفع النظر عن الوسائط وهذا ايضا من غيرة التوحيد فاشار بهذا اللفظ ان أصف وصنيعه عامل من عمل حضرته خلقه الله لنصرته ونفاذ مراده قال ابو حفص من راى فضل الله عليه ارجو ان لا يهلك وقوله { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } فيه بيان ان شكر الشاكرين منصرف عن الشكور الازلى اليهم الى الحق وانه تعالى منزه عن شكر الشاكرين وصبر الصابرين ومعرفة العارفين وطاعة المطيعين واسلام المسلمين وكفر الكافرين بقوله { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } واستعمال لفظ الكرم والغنى هٰهنا من اشارة علم المجهور اذا استغنى الحق بجلال عزته عن كفر الكافر واسلام المسلم فقد اسقط الكل عن شرائع الربوبية ومشاهد القدسية وبقى الحق للحق منفرداً بنفسه مستغن عن غيره واذا كان الامر كذلك فهو كريم يتفضل على الجميع ويؤديهم الى ساعة غنا بقائه وقدمه اذ لا يضر به كفر الكافر ولا ينفع به ايمان المؤمن فاذا يشمل بغناه وكرمه من العرش الى الثرى ولا يعاقب احدا من حيث استغنائه وكرمه قال الجنيد الشكر فيه علة لانه يطلب لنفسه المزيد وهو واقف مع ربه على حظ نفسه قال الله ومن شكر فانما يشكر لنفسه اى طالبا للمزيد وقال الواسطى فى الشكر ابطال روية الفضل كيف يوازى شكر الشاكرين فضله وفضل قدره وشكرهم محدث ومن شكر فانما يشكر لنفسه لانه غنى عنه وعن شكره وقال الشبلى الشكر وهو الخمود تحت رؤية المنة.