الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } افهم ان العلم علمان علم البيان وعلم العيان، علم البيان ما يكون بالوسائط الشرعية وعلم العيان مستفاد من الكشوفات الغيبية فما ذكر الله سبحانه فيما اعطاهما فهو من العلمين البيانى والعيانى فالعلم البيانى معروف بين العموم والعلم العيانى مشهور بين الحضور لم يطلع عليه إلا ولي او نبى لانه صدر من الحق لاهله شهوده من المحبين والعارفين والموحدين والصديقين والانبياء والمرسلين ومن ذلك العلم علم اللدنى والعلم اللدنى فى حقايقه علم المجهول وعلم المجهول ما يكون صورته بخلاف علم الظاهر مثل صنيع الخضر عند موسى عليهما السلام من قتل الغلام وغيره وهو علم الافعال وبطون حقائق المقدورات والامور الغيبية وما يتعلق بالملك والملكوت الذى هو المرتبة الاولى من علوم المعارف والحكم المرتبة الثانية علوم الاسماء والنعوت والصفات مثل ما علمه الله أدم بقوله وعلم أدم الاسماء كلها والمرتبة الثالثة العلم بالذات وهو علم الاسرار وهذه العلوم يجمعها قسمان قسم مستفاد من الخطاب والهام والكلام وقسم يتعلق بكشف الذات والصفات والافعال وما اشرنا الى هذه وهو صورتها وحقايقها ذوقى كشفى لا يطلع عليها الا من شاهد الحق بالحق ويستغرق فى بحارها وعرف انها غير محصورة للعقول لانها صفات قديمة لا نهاية لها فلما عظم شانها حمدا الله بما نالا منة من الله بقوله { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } اى خصنا فى الازل بهذه الخاصية من بين عباده تفضلا وامتنانا واصطفائية مقدسة فى سوابقات حكمه الديمومية عن علل الاكتساب قال ابن عطا علما بربه وعلما بنفسه اثبت لهم علمهم بانفسهم حقيقة العلم بالله لذلك قال امير المؤمنين بما ذكرنا من علوم الحقائق وكل واحد منهما مخصوص بعلم من الله فورث سليمان علم ابيه الذى علمه الله من علوم الالهية بقوله { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ورث ما عند ابيه من علم العشق والمحبة والشوق وخصائص سره زيادة على ما علمه الله والولى الصادق العارف يرث من شيوخه علوم الحقائق بعد كونه مستنداً لذلك فيصير تلك الحقائق مقاماته اذا كان صادقا مستقيما فى الارادة لذلك قال عليه السّلام العلماء ورثة الانبياء قال ابن عطاء ورث منه صدق اللجا الى ربه وتهمة نفسه فى جميع الاحوال ثم بين سبحانه ان سليمان اخبر الخلق عما وهبه الله من علمه بمناطق الطيور بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ } لان المتمكن اذا بلغ درجة التمكين يجوز له ان يخبر الخلق بما عنده من موهبة الله لزيادة ايمان المؤمنين والحجة على المنكرين قال تعالىوَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } وافهم ان اصوات الطيور والوحوش وحركات الاكوان جميعا هى خطابات من الله سبحانه للانبياء والمرسلين والعارفين والصديقين والمحبين يفهمونها من حيث احوالهم ومن حيث مقاماتهم فالانبياء والمرسلون علم بمناطقها صرفا قطعيا ويمكن ان ذلك يقع لولى ولكن اكثر فهوم الاولياء بها انهم يفهمون من اصواتها ما يتعلق بحالهم بما يقع فى قلوبهم من الهام الله لا بانهم يعرفون لغاتها بعينها وفى اشارة الحقيقة الطيور الارواح الناطقة فى الاشباح ينطق بالحق من الحق ونطقها تلفظ مورد الاسرار بلغة الانوار ولا يسمعها الا ذو فراسة صادقة قلبه وعقله شاهدان مشاهدة الحق ولطف الاشارة علمنا مناطق اطيار الصفات التى تعبر علوم الذات وايضا علمنا منطق اطيار افعاله التى تخبر عن بطون حكم الازليات لذلك قال { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } اى اوتينا كل شئ علما بالله وطريقا الى الله { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } اخبار عن رؤية المتفضل فى فضل غير محجوب بالفضل عن المتفضل قال ابو عثمان المغربى من صدق مع الله فى جميع احواله فهم عنه كل شئ وفهم عن كل شئ فيكون له فى اصوات الطيور وصرير الابواب علماً بعلمه وبيانا بتبينه قال الاستاذ من كان صاحب بصيرة وحضور قلب بالله يشهد الاشياء كلها بالله ومن الله ليكون كشافا بها من حيث الفهم فكانه يسمع من كل شئ وتعريفات الحق سبحانه للعبد بكل شئ من كل شئ لا نهاية له وذلك موجود فيهم محكى عنهم وكان صوت الطبل مثلا دليلاً يعرفون لسماعه وقت الرحيل والنزول فالحق سبحانه يخص اهل الحضور بفنون التعريفات من سماء الاصوات وشهود احوال المرئيات على فى اختلافها كما قيل

السابقالتالي
2