الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } * { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } * { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } * { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

قوله تعالى { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } تقدس بذاته وجلاله عن ان يكون محلا للارواح والعقول والاسرار وجعل فى سماء ذات القدم لارواح العارفين واسرار الموحدين وعقول المقربين وقلوب الصديقين ابراجا من انوار صفاته لتسرى فيها بنعت المعرفة وطلب زوائد علوم الربوبية بنجم الاسرار وسيارات العقول وشموس الارواح واقمار القلوب الى ابد الأباد لا ينقطع سيرها فى سناء الصفات وانوار الذات لانها غير متناهية وايضا جعل فى سماء القلوب فى سائر القلوب بروج المقامات والحالات لشمس الروح واقمار العقل ونجوم الهمم والعزائم قال جعفر بن محمد سمى السّماء سماء لرفعتها والقلب سماء لانه يسمو بالايمان والمعرفة بلا حدود النهاية كما ان المعروف لا حد له كذلك المعرفة لا حد لها وبروح السماء مجارى الشمس والقمر وهو الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت وفى القلب بروج وهو برج الايمان والمعرفة والعقل واليقين والسلام والاحسان والتوكل والخوف والرجاء والمحبة والشوق والوله فهذه اثنا عشر برجا بها دوام صلاح القلب كمان ان الاثنى عشر برجا من الحمل والثور الى اخر العدد صلاح الدار الفانية وأهلها وقال فى قوله وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا فى السماء سراج الشمس ونور القمر وفى القلب سراج الايمان والانوار بالوحدانية والفردانية والصمدية وقمر المعرفة يشرق بانوار الازلية والابدية فيتلألأ نور معرفة وايمانه على لسانه بالذكر وعلى عينيه بالعبر وعلى جوارحه بالطاعة والخدمة وتلك الانوار من تمام اولية الله للعبد فى الاحوال كلها ثم بين سبحانه يخالف الليل والنهار لاعتبار العارفين وموعظة المريدين بقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } جعل تعاقب ليالى الفترة وكشوف نهار المشاهدة لزوائد ذكر العارفين وشكر المستانسين قال بعضهم خليفة تخلف احدهما صاحبه لمن اراد خدمة ربه او عبادته ثم وصف سبحانه على الوقار من العارفين والمطمئنين من المتمكنين بقوله { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } وصفهم بالعبودية خاصة ومن العرش الى الثرى ملكه وعبيده اراد بانهم بلغوا ميادين العبودية بانواع الربوبية فانسلخوا من كل مراد دون وجه حبيبهم فيصح عبوديتهم لانقطاعهم عن غيره يمشون على الارض على حد الوقار والهدوء والسكينة اذ على مطايا قلوبهم اثقال اوقار انوار عظمة الذات وسطوات الصفات ثم زاد فى وصفهم بقوله { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } اذا سمعوا غير ذكر الله الصافى بنعت الاخلاص والمحبة والشوق يقولون للمتكلفين سلاما اى سلامة من الله علينا من مصاحبتكم ومباشرة تكلفكم قال الجنيد عباد صفة مهملة وعبادى صفة بالحقيقة وعباد الرحمٰن صفة حقيقية بالحقيقة قال جعفر يمشون على الارض هونا بغير فخر ولا رياء ولا خيلاء ولا تبختر بل بتواضع وسكينة ووقار وطمانينة وحسن خلق وبشر وجه كما وصف النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنين فقال

السابقالتالي
2