الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } * { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }

قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } الاشارة فى الاية ان للعارفين فى مقام المراقبة والمحاضرة ثلاث مقامات مقام كشف انوار الفعل وكشف انوار الصفة وكشف انوار الذات فاذا ذهب ظلام ليالى الطبيعة من عالم الغيب وتلاشى دخان النفس الامارة وصار سماء الروح وهواء العقل وارض القلب صافية عن عللها وظلمات هواها ولم يكن هناك شمس الذات وانوار الصفات يمد الحق سبحانه ظلال بهاء فعله فى ولاية القلب على مقادير تربية اسراره فلما قويت الاسرار بظلال فعله يطلع عليها انوار الصفات فلما قويت بانوار الصفة يطلع عليها شمس الذات فرباه أولاً فى ظل الفعل ثم قواة بنور الصفة ثم كشف له جلال الذات حتى صار مكاشفا مشاهدا عين الحقيقة واصل الاصول وهناك محل الفناء والبقاء ومقام الخطاب الصرف وظهور اسرار الربوبية فالاول ظل العناية والثانى مقام الولاية والثالث مقام المشاهدة التى هى قبلة الكلية بجميع الانبياء الصديقين والمقربين ومنتهى مامول الراغبين هذه مسالك جميع السالكين ولسيد العالمين عليه الصلاة والسلام فى ذلك خاصية لم يكن لاحد فيها نصيب وذلك انهم يسلكون من مقام مشاهدة نور الفعل الى مشاهدة نور الصفة ثم الى مشاهدة نور الذات وهو عليه السلام فى اول حاله شاهد العين ثم شاهد الصفة ثم شاهد الفعل رحمة للعالمين ولو بقى فى مقام الاول لما استمتع به الخلق فى متابعته الا ترى الى قوله سبحانه لحبيبه عليه السّلام الم تر الى ربك اشهده ذاته وابرز له صفاته ثم أحاله الى رؤية الفعل بقوله كيف مد الظل لئلا يفنى فى سطوات عظمة ذاته وصفاته فلما ضاق مكانه فى رؤية الفعل وطالب الاصل وشق عليه الاحتجاب به عنه كاشف الحق عنه ضرار الفعل وابرز له مشاهدة ذاته بقوله { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } اى خفيا سريعا ولولا فضله ورحمته فى قبضه خفيا يسيراً لاحترق الكل فى اوّل بداهة طلوع الجمال والجلال على قلوبهم وهو تعالى خاطب الجمهور برؤية فعله وخاطب حبيبه برؤية ذاته وصفاته وهنا كما قال الواسطى اثبت للعامة المخلوق فأثتبوا به الخالق واثبت للخاصة الخالق فاثبتوا به المخلوق ومخاطبة العام الم تر ان الله يزجى سحابا وأفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت ومخاطبة الخاص الم تر الى ربك قال بعضهم قال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الم تر إلى ربك كيف مد ظل العصمة قبل ان ارسلك الى المخلوق ولو شاء لجعله ساكنا اى جعله مهملا ولم يفعل بل جعل الشمس التى طلعت من صدرك دليلا ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا هذا خطاب من اسقط منه الرسوم والوسائط قال ابن عطا كيف حجب الخلق عنه ومد عليهم ستور الغفلة وحجبها وقال فى قوله ثم جعلنا الشمس عليه دليلا شموس المعرفة هى دلائل القلب الى الله وعن جعفر قال حجب الخلق عنه وقال بعضهم الظل حجاب بينك وبين الله ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا وهو نور الهداية بالاشارة ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا وهو جذب القدرة التى يجذبك من الاشياء اليه وقال الاستاذ ظل العناية على احوال اوليائه فقوم هم فى ظل الحماية وآخرون فى ظل الرعاية وآخرون فى ظل العناية فالفقراء فى ظل الكفاية والاغنياء فى ظل الراحة والحماية ويقال احيا قلبه بقوله ألم تر الى ربك ثم افناه بقوله كيف مد الظل فكذا سنته مع عباده يرددهم بين افناء وابقاء ثم من الله علينا براحة الليل وستره بقوله { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } اذا هجم ظلال الليل على اهل شوقه هاج اسرارهم بنعت الشوق والانس الى قربه ووصاله فينكشف لهم اسرار الملك والملكوت وانوار العزة والجبروت وهم ينقلبون فيها باشكال غريبة وحركات عجيبة ومناجاة لطيفة وموجبات عظيمة وعبرات عزيزة ولولا ستر الليل عليهم لفشا احوالهم وانكشف اسرارهم عند الخلق فاذا كانوا فى حالة اليقظة فحالهم الغلبات فاذا أنسوا بنور الجمال ياخذهم النوم ويقطعهم عن التهجد وبرجات الوجد فيسكنون فى روح الانس وراحة القدس وربما يرون المقصود فى نومهم كما حكى عن سلمة بن شجاع انه لم ينم ثلاثين سنة فاتفق انه نام ليله فراى الحق سبحانه فى منامه ثم بعد ذلك ياخذ الوسادة معه ويضطجع حيث كان فسئل عن ذلك فانشا يقول

السابقالتالي
2 3