قوله تعالى { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } ان الله سبحانه امتحن الممتحنين بزينة الدنيا ولذاتها وجاهها ومالها وخيراتها ليقطعوا طرق الامتحان وحرموا الى مشاهدة الرحمٰن فاستلذوها واحتجبوا بها وظنوا انها مآل جميع الراحات وانهم مقبولون حين اعطوا هذه المقامات ولم يعلموا انها استدراج لا منهاج قال تعالى { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } قال عبد العزيز المكى من تزين بزينة فانية فتلك الزينة تكون وبالا عليه الا من تزين بما يبقى من الطاعات والموافقات والمجاهدات فان الانفس فانية والاموال عوار والأولاد فتنة فمن يسارع فى جمعها وحظها وتعلق القلب بها قطعه عن الخيرات اجمع وما عند الله بطاعة افضل من مخالفة النفس والتقلل من الدنيا وقطع القلب عنها لان المسارعة فى الخيرات هو اجتناب الشرور واول الشرور حب الدنيا لانها مزرعة الشيطان فمن طلبها وعمرها فهو حرّاثه وعبده وشر من الشيطان من يقين الشيطان على عمارة دار وقال الله { أَيَحْسَبُونَ } الآية ثم ان الله سبحانه وصف الصادقين بالخشية والخوف والايمان والتوحيد واليقين بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } الذين هم متعظون عظمته وجلاله بعد كونهم معاينين رؤيته ومشاهدته خائفون من الهجران والاحتجاب بشئ من الحدثان ثم قال تعالى فى وصفهم { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } يوقنون انها مشاهد مشاهدة قدسية وظهور صفاته وذاته ثم وضعهم بانهم لا يوترون عليه شيئاً من الحوادث بقوله { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } لا يلتفتون فى طاعته الى غيره ولا ينظرون منه الى انفسهم وحظها من الكونين ثم زاد فى وصفهم بقوله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } اى الذين سافروا سفر العبودية بحقائقها وشاهدوا جمال الربوبية وانوارها بنعت الخجل والوجل لعلهم بذلوا ما أتوا من الطاعات وبذل المهج والموجودات فى رؤية كبريائه وجلاله مع طاعات جميع المخلوقات اقل من ذرة ووجل قلوبهم من صولة تجلى العظمة لها قلوبها فى الغيوب حق له وارواحهم فى الملكوت والجبروت طيارة واسرارهم فى ميادين تجلى الصفات والذات فانية ثم وصفهم بالتسارع الى الخير بقوله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } اولئك يسارعون فى الخيرات اطلب عرضاته ووصولهم الى مشاهداته وهم فى ذلك سابقون فى الازل من الله بالسعادات الاولية والآخرية قال بعضهم فى قوله وهم من خشيته مشفقون الاشفاق والخشية اسمان باطنان وهما عملان من اعمال القلب والخشية فى القلب خفى والاشفاق من الخشية اخفى قيل الخشية انكسار القلب من دوام الانتصاب بين يديه ومن بعد هذه المرتبة الاشفاق والاشفاق ارق من الخشية والطف والخشية ارق من الخوف والخوف ارق من الرهبة وكل منها صفة ومكان وادب قال ابن عطا فى قوله { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } مطالعة نكون بابصار القلوب فتعلم انها فى حد الفناء وما كان بين طرفى فناء فهو فان فيومنون بالحق يفتح ابصار قلوبهم بالنظر الى المغيبات وقال الجنيد فى قوله والذين هم بربهم لا يشركون من فتش سره فراى فيه شيئا اعظم من ربه او اجل منه فقد اشرك به اذ جعل له مثلا وقال الواسطى الخائف الوجل من لا يشهد حظه بحال قال بعضهم وجل العارف من طاعته اكثر من وجله من مخالفته لان المخالفة تمحوها التوبة والطاعة تطلب تصحيحها والاخلاص والصدق فيها لذلك قال الله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } الاية وقال ابو الحسن الوارث فى قوله { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } ذلك بما تقدم من الآيات بالمسارعة الى الخيرات يبتغى درجة السابقين ويطلب مكارم الواصلين لا بالدعاوى والامهال وتضييع الاوقات من اراد الوصول الى المقامات من غير اداب ورياضات ومجاهدات فقد خاب وخسر وحرم الوصول اليها بحال قال يحيى بن معاذ فى قوله اولئك يسارعون فى الخيرات الراغبون فى رضى المولى حكى عن الشبلى انه قال وصفهم بالاشفاق والخشية وذلك حين رفعهم مولاهم الى منازل اليقين حتى وصلوا من علم اليقين الى عين اليقين وشربوا من عين اليقين بكاس اليقين فشاهدوا فى مقام عين اليقين وارتفع عن قلوبهم كل شك وريب ثم نقلهم من تلك المقامات كلها الى منازل الخوف فنازلوا الاشفاق والحذر والخشية فوجلت قلوبهم من تلوين الاحوال عليهم وهم من خشية ربهم مشفقون وقال النهرجورى هم القائمون مع الله من حيث قام لهم ومن حيث يرون قيام الله لهم فهم فى احوالهم مشفقون فى قوله تعالى { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ان الله سبحانه خلق النفوس الروحانية من عالم الملكوت وهى صدرت من فيض لطف صفاته فهى تحمل امانات معرفة ربوبيته وهى تطيق حمل وارد تجلى الذات والصفات اذ هى محمولة بمطايا انوار العناية والكفاية وخلق النفوس الانسانية من عالم انوار الفعل وهى صدرت من تواثير سلطان قهر القدم وهى مجبولة لحمل اثقال العبودية اذ هى محمولة بمطية ذلك القهر فكان النفوس مطايا حمل الربوبية والعبودية وهى تسعها به لابها لذلك قال عليه السَّلام حاكيا عن الله تعالى