الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } هذا خبر عن مقام المكاشفة فى المراقبة أي اذا شاهدتم مشاهدة الكبرياء اركعوا واذا شاهدتم مشاهدة العظمة اسجدوا واذا شاهدتم جمال ربوبيته افنوا فى العبودية { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } تخيرون عن هذه المقامات طلاب معرفتى { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } بى عنى وتظفرون بعد فنائكم فى بقائكم مع بقائى قال ابن عطا اركعوا واسجدوا أي اخضعوا وانقادوا لأوامره وسلموا لقضائه وقدره تكونوا من خالص عباده وافعلوا الخير ابتغاء الوسيلة لعلكم تفلحون اى لعلكم تجدون الطريق اليه ثم امرهم بحق الجهاد لوجدان حقيقة المعاد والرجوع الى المراد لان ما امرهم بالركوع والسجود على مقادير العبودية وطلب حق الربوبية فى العبودية منهم بقوله { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } لا تظن ان هذا الامر امر مستحيل من حيث عجز الخلق عن درك ادراك حقيقته انما اراد بهذا الامر فناء الخليقة فى الحقيقة وهذا ممكن خاصة انه اخبر تعالى انهم بذلك مصطفون بقوله { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ } اى هو اجتباكم بالفناء فى بقائه حين ينكشف انوار شموس القدم لاهل العدم جاهدوا فى الله اى افنوا فى الله حق الفناء بحيث لا ترون فناءكم فى بقائه بل ترون وجوده بوجوده لا بوجودكم لان هذه الاجتبائية الازلية تقتضي لكم مشاهدته ومشاهدته يقتضى لكم فناءكم فيه ثم بين ان فى هذا الطريق المبارك والدين الشريف لم يكن حرج وتكليف ما لا يطاق بقوله { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } اى اذا شاهدتم مشاهدة جمالي سهل عليكم فناؤكم فى جلالى ان من عاينى عشقنى وطاب عيشه معى وسهل عليه بذل مهجته إليّ لان هذا مقام العاشقين الواقعين المحبين مثل الخليل والحبيب والكليم الا ترى كيف قال { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } ملة ابيكم العشق والمحبة والخلة والاستسلام والانقياد وبذل الوجود بنعت السخاء والكرم يا اسباط خليلى راى ابوكم استعداد هذه المراتب الشريفة فيكم قبل وجودكم بنور النبوة بقوله { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } سماكم منقادين وبين يدى عارفين بوحدانيتى وفيما ذكرنا من اوصافكم حبيبى شاهد عليكم عندى يعرف هذه الفضائل منكم وهو بلغكم نشر فضائلي عليكم قوله تعالى { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } فانكم تعرفونهم فيما هم فيه وان رسلهم قد بلغهم رسالاتى التى سبب نجاتهم ثم أمرهم باقامة الصلاة وايتاء الزكاة شكراً لنعمه وحمداً لافضاله اى اطلبوني فى مقام مناجاتكم فى الصلاة وادخلوا بهمتكم فيها فانها حصتى وكونوا بنعت التجريد عن الدنيا ما فيها فى بذل أنفسكم الىّ وفى هذه المعاملات الشريفة اطلبوا الاعتصام منى استعينوا بى لاقويكم فى طاعتى { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ } حبيبكم ناصركم فى الازل { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } حيث لا مولى غيره { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } حيث لا يخذل من نصره بان نصره عزيز ممتنع من نقائص النقص قال جعفر حق المجاهدة على القلب فان النفس لا تقوم بحق المجاهدة وحق المجاهدة لي ان لا يختار عليه شيئا كما لم يخيّر عليكم بقوله هو اجتباكم قال بعضهم المجاهدة على ضروب مجاهدة مع اعداء الله ومجاهدة مع الشياطين واشدها المجاهدة مع النفس هو الجهاد فى الله وهو الذي روي عن النبى صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2