الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ }

قوله تعالى { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } حرماته مقام الاتصاف والاتحاد فمن اتصف بصفاته وتوحد بتوحيد ذاته يقع فى بحر الربوبية ويستغرق فى لجج الديمومية وينكشف له اسرار السرمدية والازلية ويسكر بشربات شراب المشاهدة ويقتضى هذه احوال له دعوى الانائية من حلاوة مباشرة انوار الازلية بنعت التجلى والوصلة فمن كان هناك محفوظا بقى على نعت العبودية ولا يخفوا على حرمات الحقيقة فهو خير له بان يزيد حاله من الله سبحانه ويكون اماما فى الصحو والتمكين مثل الخلفاء والنجباء يقتدى به سلاك الطريق وملوك الحقيقة ومن خرج برسوم اهل السكر ويدعي الانائية يكون محترقا بنيران الغيرة مصلوبا على باب الهيبة والكبرياء والسلطانية وايضا من شاهد مشاهدة الحق بنعت الانفراد عن الحدثان خالصا عن الجنان متبرئاً من حظوظه التي يطمع فيها عن مشاهدة الرحمن فهو من اهل الحرمة فى القربة ومن كان حبه لحظه فهو غير محترم فى مقام الحرمة يا غافل الحرمة فى العبودية تقتضى قرب الربوبية والحرمة فى الربوبية يسقط علل الحدوثية قال الواسطى من تعظيم حرمة الله ان لا تلاحظ شيئا من كونه ولا من طوارق محنته ولا تلاحظ خليلاً ولا كليما ولا حبيباً ما دام تجد الى ملاحظة الحق سبيلا وقال فارس حرمات الله صفاته ومن تهاون بحرمات الامر والنهى فقد تهاون بالذات وهو نفس النفاق قال ابن عطا الحرمة ثلاثة أوجه أوله القطع من الموافقة ثم القطع من لذة المشاهدة وقال بعضهم رؤية الافعال مطالب الأعواض ثم ذكر سبحانه بعد ذلك مقام حرماته وبين ان من عظم امره فقد عظم جلاله وعظمته بقوله { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } يبين ان تعظيم الله تعظيم شعائره يصدر من قلوب المتقين الذين هم فى مشاهدة عظمة الله وجلاله وكبريائه وفى احتشامه وهيبته وتقوى القلوب وهو الاجتناب عن سوء الادب فى العبودية والخجل والحياء فى مشاهدة الربوبية قال سهل تقوى القلوب هو ترك الذنوب وكل شيء يقع عليه اسم الذم قال الجنيد من تعظيم شعائر الله التوكل والتفويض والتسليم فانها من شعائر الحق فى اسرار اوليائه فاذا عظمته وعظم حرمته زين الله ظاهره بفنون الاداب ثم وصفهم بالاخبات والتواضع والخنوع والخشوع فى عظمته وجلال كبريائه وبشرهم بدوام وصاله بقوله { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } ومن اوصاف المخبتين الفناء فى العظمة والحياء فى رؤية الكبرياء والخجل فى مشاهدة الربوبية والتواضع فى العبودية وكتمان الاسرار والبكاء فى الخفية والسكون فى الخلوة ومراقبة الله بنعت الهيبة قال ابن عطا المخبت هو الذى امتلأ قلبه من المحبة وقصر طرفه عما دونه كما ان الغريق شغله نفسه عن كل شئ سوى نفسه كذلك المخبت لشغله مولاه عن كل شئ سواه وقال جعفر وبشر المخبتين من اطاعنى ثم خافنى فى طاعته وتواضع لاجلى وبشر من اضطرب قلبه شوقا الى لقائى وبشر من ذكرنى بالنزول فى جوارى وبشر من دمعت عيناه خوفا لهجري بشرهم ان رحمتى سبقت غضبى ثم زاد سبحانه فى وصفهم بوجل القلوب من معاينة انوار الغيوب والصبر فى المجاهدات وتطهير انفسهم من الذنوب بقوله { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } اذا سمعوا خطاب الله من الله ولله من غير الله وجلت قلوبهم من رؤية عظمة الله والشوق الى لقاء الله وغليان محبة مشاهدة الله وقع السماع لهم على أذان ارواحهم المطربة من روح انس الله العاشقة جمال قدس الله فتضطرب بين الانس والقدس بنعت المحبة والشوق وتطير بجناح المعرفة الى سرادق كبرياء المعروف فيسكن هناك وجها واضطرابها فتسمع من الله خطابه وتطمئن بجماله قال تعالى

السابقالتالي
2