الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } * { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }

قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } وصف الله اهل الولاية والنبوة والرسالة الذين اصطفاهم فى الازل بحسن عنايته ومعرفة جلاله وجماله ومشاهدة كماله ووصاله ووقاهم من عذاب الفرقة والحرمان عن المشاهدة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا } هم فى جنان الوصلة لا يحسون شواهد اهل العلة من البرية فظاهر حسن العناية السابقة منهم اربعة اشياء الانفراد من الكونين والرضى بلقاء الله عن الدارين وامضاء العيش مع الله بالحرمة والادب وظهور انوار قدرة الله منهم بالفراسات الصادقة والكرامات الظاهرة وباطن حسن العناية السابقة من الله فى الازل لهم اربعة اشياء المواجيد الساطعة وانفتاح العلوم الغيبية والمكاشفات القائمة والمعارف الكاملة وفى كل موضع ظهرت هذه الاشياء بالظاهر والباطن صار صاحبها مشهوراً فى الأفاق بسمات الصديقين وعلامات المقربين وخلافة المرسلين قال الحسن بن الفضل سبقت العناية وظهر الولاية وقال الجنيد من سبق من الله اليه احسان فانه لا يزال ينتقل فى ميادين المحسنين الى ان يبلغ الى اعلى مراتب اهل الاحسان بقوله للذين احسنوا الحسنى وزيادة وقال الواسطى اولئك قوم هداهم الله فهداهم بذاته وقدسهم بصفاته فسقط عنهم الشواهد والاعراض ومطالعات الاعواض فلا لهم اشارة فى سرايرهم ولا عبارة عن اماكنهم وحجبهم عن الاستقرار فى المواطن فلا لهم هم بانفسهم ولا هم حاضرون فى حضورهم بحضورهم وقبل الحسنى العناية السابقة وهى خمسة اشياء العناية والاختيار والهداية والعطاء والتوفيق فبالعناية وقعت الكفاية وبالاختيار وقعت الرعاية وبالهداية وقعت الولاية وبالعطاء وقعت الخلة وبالتوفيق وقعت الاستقامة والحسنى هذه السوابق وقال الواسطى فى قوله لا يسمعون حسيسها هم اهل الحقائق لا يحسون بضجيج اهل الدنيا لانهم مصدرون عنها بما ورد على سرائرهم من وهج الحقائق فهم مترددون فى منازلهم لا يقطعهم عن ذلك قاطع لانفاسهم فى بحور الحقيقة ثم وصفهم الله بالامن الدائم والحسن القائم بقوله لا يحزنهم الفزع الاكبر كيف يلحقهم الفزع وهم فى مشاهدة جلال الحق مدهوشين والهين واصلين الى مناهم غير محجوبين عنه بشئ من الحدثان والحق سبحانه يكون بمرادهم يفعل كما يريدون قال تعالى { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } اشتهاؤهم فى جمال الحق ودوام المشاهدة بنعت الوصلة على السرمدية وهذا اشتهاء قلوبهم واشتهاء عقولهم كشف العلوم من معدن الصفات واشتهاء ارواحهم الاستغراق فى بحار الذات واشتهاء اسرارهم الفناء بنعت البقاء والبقاء بنعت الفناء واشتهاء نفوسهم اللذة والحلاوة والخطاب الحسن والجمال والإدراك بنعت التحصيل من القدم فى لباس الحسن قال ابن عطا للقلب شهوة وللارواح شهوة وللنفوس شهوة وقد يجمع الله لهم فى الجنة جميع ذلك فشهوة الارواح القرب وشهوة القلوب المشاهدة والرؤية وشهوة النفوس الالتذاذ بالراحة قال الجنيد فى قوله اولئك عنها مبعدون اجتازوا عليها ولم يحسوا بها وما عرفوها لصحة قصدهم الى اللقاء وللنزول فى دار البقاء وقال الصادق كيف يسمعون حسيسها والنار تخمد لمطالعتهم وتلاشى برويتهم قال النبى صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2