الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ }

قوله تعالى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } الاشارة فيه الى الاجسام والهياكل لان الارواح من عالم الملكوت ولولا انها ستر لها الحق بقوالب ترابية لملأت الاكوان والحدثان من روح واحدة ولاحترق الجميع فى انوارها وإن الله سبحانه صوّع من اكسير الارض لها سبائك الاشباح لمعادن الافراح ورباها بنظام تجلى جماله وجلاله بقولهوَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } فلما حملت الارواح فى ميادين العبودية حتى طارت منها الارواح الى عالم الربوبية بقيت السبائك فى معادنها الزوائد تربية ربها فلما تمت التربية لها من نور فعل الحق صارت الهياكل والارواح على نعوت الروحانية ولا يقوم الارض بحملها بعد ذلك ويكون موضعها عالم الغيب نعم التراب يا عاقل هو معادن نور الفعل ومصدر خاصية القبضة الجبروتية ما اشرف هذه الطينة حيث تخمرت بقبضة الازل والابد كان معدنها معدن ملك الصفات ورجوعنا من الصفات الى عالم الذات الا ترى كيف قال سبحانه فى اصل خلقتنا وخلقت بيدى ونفخت فيه من روحى فصدرتا من الصفة لرؤية الذات وصدر لنا من الذات للعلم بالصفات انظر كيف قال لحبيبه عليه السّلام ان الذى فرض عليك القرآن لرادك الى معاد الله الله لا تظن حديث النسطورية والافروقية التى تقول بالثالث والثلاث فانهم فى غلط الخيالات وقعوا فى انقسام الجزئيات من الكليات فنحن وقعنا من زنود تجلى القدم فى العدم فكنا معدومين ونكون معدومين ونحن فى وجودنا معدومون من حيث الحقيقة لان من ليس وجوده منه وبقاؤه به معدوم من حيث الحقيقة والمعدوم يكون معدوماً كما لم يكن فى العدم والقديم لا يزال كما لم يزل فى القدم فمنها خلقناكم وقع على تراب العدم الذى فى قبضة القدم قيل ليحيى بن معاذ ما بال الانسان يحب الدنيا قال حق له ان يحبها منها خلق وهى امه وفيها نشأ فهى عيشه ومنها قد قدر رزقه فهى حياته وفيها يعاد فهى كفاية وفيها كسب الجنة فهى مبدأ سعادته وهى ممر الصالحين الى الله فكيف لا يحب طريقا يأخذ بسالكه الى جوار ربّه.