الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } * { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } * { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ }

{ قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } اى: خذ عصاك ولا تخف من غيرى قال ما خفت منه فهو انا لا غير قال فارس فى قولهوَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ } سمع موسى كلاما لا يشبه كلام الخلق فلما سمع ذلك الكلام كاد ان يهيم فمرة اضاف العصا الى نفسه ومرة اجاب عما لا يسأل كذلك الهيمان وقال لما غلبت عليه لذعات الصفات وأراد الحق الى المخلوق ليسكن ما به فقال وما تلك بيمينك اشغله بالاجابة عما يملكه ولولا ذلك لتفسخ عنه ورود الخطاب عليه بغتة وقال ابو بكر بن طاهر فى قوله وما تلك بيمينك انبسط اليه فى السؤال ليربط على قلبه لعلمه بما يبديه فى شهود الكبرياء وقال ايضا احب الله ان ينبسط موسى فى الكلام كيلا يحتشم فى السؤال وقال الجنيد فى قوله عصا أتوكأ عليها فقال له الق كل ما يعتمد عليه قلبك او تسكن اليه نفسك فان الكل محل العلل فان كل ما تسكن اليه ستهرب منه عن قليل الا تراه فاوجس فى نفسه خيفة وقال الحسين عدّ موسى منافع العصا على ربه وسكونه اليها وانتفاعه بها فقال القها يا موسى اى الق من نفسك السكون الى منافعها وقلبها حية لتزول عنه الانس بها فاوجس منها خيفة فقال حين قطعه عنها بالفرار منها خذها ولا تخف وراجع الينا قبل الحكمة فى انقلاب العصا بحية فى وقت الكلام انه جعل آيته ومعجزته ولو القاها بين يدى فرعون ولم يشاهد منها قبل ذلك ما شاهد لهرب منها كما هرب فرعون حين بدهته رؤيتها قال فارس فى قوله هى عصاي ذكر كل ما فيها من وجوه المنافع لئلا يكون له معاودة الى ذلك فيستلذ بخطاب سيده وعتابه وقال ابو بكر الوراق فى قوله عصاى جواب والذى بعده ذكر ما انعم الله عليه بالعصا من المنافع فكان بعد قوله عصاى لسان الشكر وقال ابن عطا فى قوله عصاى اضافها بالملك الى نفسه ولم يكن يجب له فى الحقيقة ان يرى لنفسه ملكا بين يدى الحق فلما اضافها الى نفسه قال القها فألقاها فاذا هى حية تسعى قال خذها اى خذ عصاك ولا تهرب مما ادعيت فيه الملك لنفسك فخاف وتبرأ من اضافتها ملكا الى نفسه فتعطف الحق عليه فقال خذها ولا تخف فانها لن تضرك قال ابن عطا فى قوله ولى فيها مآرب أخرى: سرائر مغيبة عنى فى العصا غطيته عليّ يبدو لي ذلك او ان يكشف لي من الآيات والكرامات وقال جعفر منافع شتى واكثر منفعة لى فيه خطابك اياى بقولك وما تلك بيمينك يا موسى قال سهل ذكر موسى من العصا مآرب ومنافع فاراه الله فى عصاه مآرب ومنافع كانت خافية على موسى من انقلاب العصا ثعبانا وضربها بالحجر فى انبجاس الماء وضربها بالبحر فانفلق وغير ذلك اراد بذلك ان علم الخلق وان كانوا مؤمنين بالنبوة قاصر عن علم الحق فى الاكوان قال الواسطي فى قوله القها يا موسى اطرح عن نفسك السكون الى العصا والاعتماد عليها وعد المنافع فيها فلما ألقاها وخلا منها سره قال خذها الآن منا على شرط ان ترانا النافع والضار لا الاسباب وقال ابن عطا القها من يدك فانك اخذتها من غيرنا فعددت فيها اسباب المنافع وخذها منا لنكون ولى نعمتك دون غيرنا وقال الجنيد كان خوف موسى خوف التسليط لا خوف الطبع وقال الواسطى خوف موسى من العصا انه شاهدها فيه اثر سخطه وقال ايضا راى موسى على عصاه كسوة من سخط الحق ولم يأمن من مكره وقال ابن دانيار فى قوله وما تلك بيمينك قال كلام بسط ليزول عنه رعب الهيبة وقال الاستاذ فى قوله القها يا موسى فانك بنعت التوحيد واقف على بساط التفريد فكيف يصح لك ومتى يسلم لك أن يكون لك معتمد تتوكأ عليه او مستند اليه تستعين به وتنتفع ولما وجد الحق كليمه مستقيما فى محبته وشوقه وتبريه من جميع الاسباب بعد القائه عصاه اراه انوار ملكه وملكوته فى نفسه وما كان فى عصاه من شهود جلاله أظهره من يده حتى رأى من يده ما راى من عصاه فإن فيها العجائب اكثر والغرائب فيها او قولان النقل من رؤية الاشياء الى رؤية مشهد النفس زيادة القربة لان ما يتجلى من الانسان للانسان أثوب مما يتجلى من الكون له الا ترى سبحانه كيف ميز بين الأمرين العظيمين بقوله سنريهم آياتنا فى الافاق وفى انفسهم وذلك معنى قوله سبحانه لكليمه { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } اضمم يد همتك عن غير شهود كبريائنا ومشاهدة جمالنا تخرج بيضاء متصفة بنور احديتنا مقدسة بقدسنا عن الاكوان والحدثان فيكون بعد ذلك آيات تجلينا بظهور نور تجلي كبريائى من وجهك للعالمين وايضا واضمم يدك الظاهرة الى جنبك الذى فيه قلبك حتى تخرج بيضاء بما فيه من نور نظرنا ومشاهدتنا وايضا فيه مقام الادب اى واضمم يدك التى تكسر بها الألواح وتاخذ بها راس هارون وركزت بها القبطي من تلك الحركات حتى تكون موضع معجزتنا ولى فيه واقعة كنت يوما حضرت الحضرة فى الخلوة فأخرجت يدي بين يدى الله سبحانه فجرده للدعاء فناداني هواتف الاسرار اضمم يدك ولا تجرها فانها سوء الادب فى الحضرة الخاصة فاخذت يد الى جنبى فرايت بعد ذلك اشياء فى قلبى وفى صورتي ما لا اطيق وصفه قال الجنيد اجمع عليك همتك ولا تشتت سرّك قال بعضهم اقطع مرادك عن الكونين وكن مريد لنا لتكون مرادك ثم بين سبحانه ان يده البيضاء اكبر آية واعظم معجزة له ولغيره وذلك قوله { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } ارى الله موسى من يد موسى أكبر آية وذلك انه البس انوار يد قدرته يد موسى فكان يد موسى يد قدرة الله من حيث التخلق والاتصاف وهذا اشارة صفى ممالك الملكوت وغواص بحر الجبروت حيث حكى عن الحق سبحانه فى حديث المحبة والاتصاف بقوله

السابقالتالي
2