الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ }

قوله تعالى { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } ان الله سبحانه كلم كليمه فطاب وفقه من لذة كلامه واختلج فى سره ارادة لقاء المتكلم وكاد ان يقول فى بداية حاله ارنى انظر اليك فعلم الحق سبحانه سر ما فى قلبه وعلم انه لا يطيق ان ينظر اليه كفاحا واراد ان لا يحرمه من سؤله ومأموله فقال وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى قال القها فلما القاها صارت حية ففر منها موسى قال سبحانه اين تفر من رؤية مأمولك انظر اليها بنظر الحقيقة حتى ترى مشاهدة الذات فى الصفات ومشاهدة الصفات فى الآيات فحصل لموسى مشاهدة رؤية العظمة مع الخطاب الخاص، وايضا اراد سبحانه ان يريه الاية الكبرى حتى يتعوذ بها ولا يفزع منها عند تقلبها فى ابتلاعها سحر السحرة وايضا كان فى مواجهة كلامه القديم فى رؤية الجلال للعظمة فكاد ان يذوب من صولة العظمة ورؤية الكبرياء فشغله الحق فى ذلك بذكر شئ من الحدثان حتى يسكن لحظة من سكن رؤية الجلال وان لا يفنى فى سطوات الكمال وايضا ظن موسى انه تعالى لا يتكلم معه فى شئ محقر انَّما يتكلم فى العظائم فاعلمه الحق موضع انبساطه اليه حتى لينبسط اليه الا ترى لما وجد لذلك انبساط الحق كيف خرج من مقام الهيبة وانبسط اليه بقوله { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } قوله عصاى جواب بالانبساط من لذة وجدان مكانته فى شهود عين الحق ولولا ذلك ما اضاف الى نفسه فى رؤية فردانية الحق وايضا اراد الحق سبحانه ان يعلمه ان فى عصاه كثيرا من معجزته فنبهه عن ذلك فلم يعرف موسى فى ذلك الوقت اشارة الحق فقال هي عصّاي ولو عرفها لقال هى موضع آياتك ومسقط قدرتك وايضا اظهر عجزه عند سرادق كبريائه بانه اضاف الحدث الى الحادث وعلم ان الحدث لا يليق الا بالحدث ويمكن انه راى منها بعض الآيات فذكر انعام الله عليه فى حضرته وزاد ذكراً لنعمته فقال أتوكأ عليها اى اعتمد عليها بانها آية من آياتك واهش بها على غنمى استمتع بما أريد منها { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } وتلك المعجزة من مآربه فلما ارتهن من الحق بالوسائط قال سبحانه فى غيرة الوحدانية ألقها يا موسى جوابا لقوله أتوكأ عليها لئلا يسكن الى غيره، فلما القاها.