الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ }

{ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } اسرارهما التي انكشف لهما من الغيب بعد اكل الشجرة ولم يعلما ضرها فلما علما الاسرار الالوهية خرجا من تحت موت الجهل وبلغا الى ملك لا يبلى وذلك الملك الوقوف بالسر الأنور على اسرار قدر الازال والآباد ولهما الشيطان الى هذه المعالم والمعادن الغيبية وهو معزول عنها مثله مثل حية تمشى على وجه الارض الى راس كنز وخلفه انسان ليقتلها فلما ضربها ظهر تحت ضربه كنز فصار الكنز له وصارت الحية مقتولة وبلغ الى الامرين العظيمين البلوغ الى المامول والفلاح من العدو فهكذا شان آدم مع الملعون دله الى كنز من كنوز الربوبية غرضه العداوة والضلالة فوصل آدم إلى الاجتبائية الابدية بعد الاصطفائية الازلية وبلغ الملعون الى اللعنة الازلية الابدية قال الحصري بدت لهما ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الاغيار من مكافأة الجناية ما علما ولو بدا للاغيار لقال بدت منهما ثم ذكر سبحانه تغيير آدم بالظاهر وأخفى تلك الاسرار فى الباطن فقال { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } عصيان آدم الرجوع من الاصل الى الفرع ومن مكاشفة الى الجنة والميل من طريق الامر الى طريق النهى ولو سلك طريق الامر ليكشف الحق سبحانه ما كان فى الشجرة بغير عصيان لأن فى بساتين غيبة ماية الف الف شجرة غيبية مملوة حاملة من علوم الاسرار ولكن سلبته صولة المحبة وتعجيل الاشتياق اكل من شجر القدم وصار سكرانا فى واد الازل يكشف علم الازل له فطلع على الجنان وكاد ان يفشى سر السر وغيب الغيب ويشوش احوال الجنانيين فاخرجه الحق الى حبس الدنيا وحبس لسانه عن افشاء سر القدم والبقاء فكان اصطفائيته الازليّة مصحوبة زلته فاستهلكت الزلة فى الاصطفائية وزاد عليها اجتبائيته الابدية التى لا تغيرها حوادث الدهور قال ابن عطا اسم العصيان مذمة الا ان الاجتباء والاصطفاء منعا ان يلحق آدم اسم المذمة بحال قال جعفر طالع الجنان ونعيمها بعينه فنودى عليه الى القيامة وعصى آدم ولو طالعها بقلبها لنودى عليه بالهجران ابد الابد ثم عطف عليه فرحمه بقوله { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } فلما غرق فى بحر الامتحان والحجاب عن الجنان فاطلع على قلبه الرحمن ولم ير الا الشوق الى لقاء الرحمن اظهر نفسه له فى منازل الفرقة بوصف الوصلة بقوله ثم اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى زاد الاجتبائية على الاصطفائية وتاب الحق على صفيه لأن القديم لا يلحقه الحدث وان اجتهد فاين يطلبه ولا اين فاقبل عليه الحق بنعت كشف جلاله وهو لم يزل مقبلاً عليه بنعت العناية والاصطفائية ويرجع إليه بحسن الإقبال وكشف الجمال وهدى الى طريق الوصال الذى لا تفرق فيه بعد ذلك أبداً بقوله فتاب عليه وهدى هدى منه اليه قال الواسطى العصيان لا يؤثر فى الاجتبائية وقوله وعصى آدم اى اظهر خلافاً ثم ادركته الاجتبائية فازالت عنه مذمة العصيان الا ترى كيف اظهر عذره بقوله فنسى ولم نجد له عزما وكيف يعزم على المخالفة من هو فى سر العصمة وخصوصية الاجتباء والاصطفاء.