الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ }

قوله تعالى { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } خاف آدم في سره قبل دخول الجنة ان ينقطع عن لذيذ مشاهدته ووصاله فى الجنة وان يحتجب عن روح الانس والنظر الى جمال القدس وان يعرى عن ثوب عافية الرعاية والكفاية باشتغاله عنه بالجنة وهذا قرع سر القدس باب سر سره بان ما يخاف عنه يقع فيه فى ظاهر العلم فاخبره سبحانه انك لا تجوع فى شوقك الى مشاهدتنا لان هناك تستغرق فى بحر وصالنا ولا تعرى عن لباس انوار الاصطفائية فانك ملبس ابداً بكسوة الاجتبائية وانت فى ظل عنايتنا لا تغطس الى مياه الزلفة فانك تكون فى سواقي الوصلة ولا تضحى ولا تحترق فى حرّ شمس الفراق فلما وقع عليه واقعة الامتحان من القدر السابق صار عريانا فى الجنة مما دون الله وذلك انه سبحانه جرب صفيه بالجنة واجرى عليه شهوة الحنطة فلما رآه فى حجاب الامتحان جرده عن الجنان وافرده عن الاكوان والحدثان غيرةً على سر ما فى قلبه وفيه اشارة أخرى كأنه اشار بالسر اى لا تأكل الشجرة المنهية كيلا تجوع ولا تعرى فإن من خالفنا وقع فى بحر الحجاب وعرى عن ستر المآب وقال ابن عطا آخر احوال الخلق الرجوع الى ما يليق بهم من المطعم والمشرب الا ترى إلى آدم بعد خصوصية الخلقة باليد ونفخ روحه بخاص وسجود الملائكة كيف رد الى نقص الطبائع بقوله ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى قال الواسطى خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه واصطفاه على الخلائق ثم رده الى قدره لئلا يعدو طوره قال ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى وما تعرض لى فى حكم الظاهر ان الله سبحانه قال لآدم فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى اى لو تخرجان من الجنة بسبب المعصية تتعبان فى الدنيا لاجل المطعم والمشرب والملبس فى الحراثة وغيرها وتجوع فى الدنيا وتعرى وتظمأ وتضحى ولا يكون مثل هذه العقوبات فى جنبى وجوارى كأنه خاطب معه من حيث الطبيعة خَوّف نفسه بالجوع والعرى والظمأ فى الهواجر لان النفس لا تفزع الا من مثل هذه العقوبات لئلا تقع فى جوار الحق فى المعصية وان من لطفه وكرمه عاقب آدم فى الدنيا بالمجاهدات الكبيرة بما جرى عليه من المعصية فى الحضرة ويعاقب المجهور فى الآخرة بما جرى عليهم من المعصية فى الدنيا وهذا خاصية له لان عقوبة الدنيا اهون ولولا امتحان الله آدم بأكل الشجرة ومثل هذا الخطاب لم يخرج آدم من الجنة ولم تظهر اسرار علوم حقائق قهرمانه لاهل المعارف من الصديقين ولم يقع عنده عذر المذنبين فخاطبه من حيث العبودية والحدوثية ولو خاطبه من حيث الربوبية لطار فى الجنة فى هواء الهوية ولم ير أثره فى الزمان والمكان ولا فى الجنان والحدثان سئل ابن عطا عن قصة آدم ان الله عز وجل نادى عليه بمعصية واحدة وستر على كثيرين من ذريته فقال ان معصية آدم كان فى بساط القربة فى جواره ومعصية ذريته فى دار المحنة فزلته اكبر واعظم من زلتهم ولما اراد الله ان يخرج من ذريته الانبياء والمرسلين والاولياء والصديقين ابتلاه باكل الشجرة فقفاه الشيطان حتى يوسوس وهذا من القدر الغيبى كأنه يوسوسه القدر.