الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }

قوله تعالى { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } اخبر الله سبحانه عن كشف العظمة والكبرياء والسلطنة القدم فهناك مقام فناء الارواح والاشباح بنعت الخمود والخشوع فلا حيلة لهم هناك للخروج من تحت غواشى ضباب العزة لان الحوادث مضمحلة عند بروز انوار سطوات الالوهية فاذا ذهب طوفان بحار العظمة ويطلع عليهم زبرقان الجمال من مشرق الجلال فيبقون ببقائه ويفيقون من صعقاتهم ويجيبون الله ويسمعون منه فالاول مقام الفناء والآخر مقام البقاء قال الواسطى وهل كانت الا خاشعة فى الازل وهل يكون الا خاشعة فى الابد فالاقتحام فى حال الوجود بالتوثب والمنازعة ووقاحة الوجه ورعونة الطبع لانها لم تكن وهى اذا كانت كأنها لم تكن قال الجنيد كيف لا تخشع وقد كشف الغطاء وابدى الخفاء فلهيبة الموقف وحياء الجنايات خشعت اصواتهم وذلت رقابهم ثم اخبر عن ذهاب صولات العظمة واقبال كشف الجمال بقوله { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } من رضى الله عنه فى الازل واختاره باصطفائيته وحسن عنايته ورضى عن قوله فى دعواه فى الدنيا بمحبته ومعرفته مقروناً بالصدق والاخلاص وله لسان الولاية بإذن الله يهب الله له بشفاعته ولو شفع لجميع الكفرة فانه لا يرد مكان خاصية ارادته القديمة وهناك تبيين صدق الصادقين ودعوى المدعين قال الواسطى لا تنفع الشفاعة الا لمن لا ينسب الى نفسه شيئا ولا يرى نعته فاذا عاين نعته نسى الاول واذا ظهر عليه رضوانه ذهب ما دونه ثم اخبر عن كمال جلاله وعز قدمه وبقاء ديموميته التي تقاصرت الاوهام عن ادراكها وفنيت العقول عن الاشارة اليها بقوله { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } كيف يحيط الحدث بالقدم والحدث فانى الوجود فى كشف وجود الحق والفانى لا يدرك الباقى الا بالباقى واذا ادرك الباقى بالباقى لا يبلغ الى ذرة من كمال الازلية لان الاحاطة بوجوده مستحيلة من كل الوجوه صفاتا وذاتا وسرا وحقيقة يا عارف كيف تدعى معرفة من لا يدركه معرفة كل عارف فإن معرفة كل عارف مستفاد من كرمه والحادث بمعرفته لا يعرف ماهية حديثه فكيف يعرف سر السر وعين العين وعلة العلل افهم ان ما تدرك منه يرجع اليك بكل معروف ومفهوم ومعلوم فكلها منفى ادراك حقيقة ذاته وصفاته قال ابن عطا لا يحيطون بشيء من ربوبيته علما لانه لم يظهر شيئا الا تحت تلبيس لكيلا يستوى علمان فى شيء واحد ومن لا يرى الكل تلبيسا كان المكر به قريبا والعبيد لا يقفون على تلبيساته وقال الواسطى كيف يطلب احد طريق الاحاطة وهو لا يحيط بنفسه علما ولا بالسّماء وهو يرى جوهرها ثم زاد ذكر غلبة عزته وجلاله واشتمال انوار هيبة ذاته وصفاته على كل ذرة من العرش الى الثرى بقوله { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } افهم يا صاحب العلم انه سبحانه ذكر الوجوه وفى العرف صاحب الوجه من كان وجيها عند كل ذى وجاهة فالانبياء والمرسلون والاولياء والمقربون فى الحقيقة هم اصحاب الوجوه وكيف انت بوجوه حور العين ووجه كل ذى حسن وحَسَن فوجوه الجمهور مع حسنها وجلالها المستفاد من حسن الله وان كانوا جميعا مثل يوسف تلاشت وخرت وخضعت عند كشف نقاب وجهه الكريم وظهور جلاله وجماله القديم وقال سهل خضعت له بقدر معرفتها به وتمكين التوفيق منه.