الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ طه } * { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } * { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ }

{ طه } ذكرنا ان حروف العجم صناديق اسرار الحق مع حبيبه ولا يطلع عليها بالحقيقة احد غيره وكل لسان غير عنها بقدر ما فتح في قلبه من قلبه من علوم السرية إلهية وما قال فيه اهل الرسوم والحقائق يكفى المسترشدين طرق الحقائق وما وقع بغير تكلف بالبديهة لهذا العارف ان الله سبحانه اخبر عن مقدم حبيبه من العدم الى القدم بروحه فالطاء طواف روحه وطوف سره فى صحارى هويته قبل القبل حين خرج رحمه من نور الغيب وطار فى هواء الهوية لطلب الذات السرمدى ومشاهدة الصفات الازلية حتى وصل بالحق الى الحق وطار فى دائرة هوية الغيب فوجد الحق بالحق وعلم من الحق بالحق ما فى الحق مقدساً بقدس الحق مطهرا بطهارة الصفة وهو بذاته تعالى جعله معرفا لخلقه صفاته وذاته هاديا يهديه عباده اليه بنعت المحبة والاسوة كأنه قال يا طواف فقار الهوية فى غيب الازل ويا مطهرا من الاكوان والحدثان يا هاديا بنورى خلقى إليّ ما وطئ احد على بساط هويتى افضل منك طويت لك تحت اقدام همتك صحارى الازليات والابديات حتى بلغ سرك سر هويتى بهوائى تهوى وتلطفت بطلف هوى نجم همتك بعد ارتفاعها بى فى هواء وحدانيتى على بساط ملكى وملكوتى فطاب بطيب وصالى يا طه لاجل ذلك قسمت به بقولىوَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } طوبى لمن اهتدى بهديك وطاب عيش من هوى طريقتك يا بدار أفق سمٰوات القدم ويا غواص قاموس الكرم طاشت العقول فى ادراك مقامات وهامت القلوب فى اودية محبتك وطارت الارواح من حقائق اشاراتك قال ابن عطا فى قوله { طه } طا هديت لبساط القربة والانس وقال الواسطى هو مستخرج من الظاهر الهادى أي أنت طاهر بنا هاد إلينا وقال محمد بن عيسى الهاشمى طوى عن محمد صلى الله عليه وسلم الاكوان بما فيها وهدي إليّ الاشتغال بكونهما وقال محمد بن علي الترمذى طوبى لمن اهتدى بك وجعلك السبيل الينا وقال الاستاذ الطاء اشارة الى طهارة قلبه عن غيره والهاء اشارة الى اهتداء قلبه الى الله ثم ان الله سبحانه ناطف على نبيه وخفف عليه اثقال العبودية لانه كان تحت اثقال سطوات الربوبية التي لا تحملها الاكوان بقوله { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } قام جميع الليل بالتهجد كله فقال سبحانه يا واطئ القدم على بساط حضرتنا لطلب المقام المحمود لا تشق على نفسك لاجل زيادة الهداية فانك هديت فى الازل واصطفيناك لمشاهدتنا وقربتنا في الرسالة والمحبة لا تحتاج الى كثرة المجاهدة فانك فى المشاهدة انزلنا عليك القرآن ليعرفك اسرار ذاتنا وصفاتنا وتعرف عبادنا اسرار العبودية واحكام المعرفة وعزة الربوبية انزلنا عليك القرآن ليقرن عنانه بعنان همتك ويبلغك الى منازل دنا فتدلى فاذا وصلت الينا فاومينك بنفسى بعد أن جعلت القرآن مستأنسك فاذا رايتنى رايت ذاتى وصفاتى وسمعت القران منى بلا واسطة فتعرف أن صفاتنا تضيء الأكوان ولا تفارق الرحمن قال الواسطى سمى القرآن قرآنا لانه يقارن متكلمه لا يباينه تعظيما لشأن القرآن كما وصل الينا شعاع الشمس وحرارتها ولم يباين القرص قال بعضهم انزلناه اليك لتستروح الى كلام خالقك فإن المحب يستروح إلى كلام حبيبه ولا يلحقه فيه التعب وقال الاستاذ ليس المقصود من ايحائنا اليك تعبك انما هو استفتاح باب الوصلة والتمهيد لبساط القربة ثم بين سبحانه لم انزل القرأن عليه قال { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } معناه بالحقيقة ان ارواح اهل الخشية قد استغرقت فى بحر القدم حين خرجت من العدم فعرفت منازل شهودها من مشاهدة الذات والصفات وعلمت اصطفائيتها وخاصيتها على بساط القرب وتلطف الحق بها وانبساطه معها بمحبته ايها فلما دخلت الاشباح بقيت معها خشية العظمة وصولة الهيبة فزاد خشيتها بعلمها بالله بالوصلة والفرقة وطرت عليها وحشة الفراق عن معادلها فانزل الله تعالى القرآن على حبيبه ليذكرهم ايام الوصال فى مقام الفراق ليذهب عنهم الظنون والحسبان ومعارضة النفوس وتخويف الشياطين بانهم لا يصلون الى تلك المناهل والموارد

السابقالتالي
2