الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } لمَّا لم يعرفوا الله تعالى بحق المعرفة وعَجَزوا عن ادراك الحقيقة وانصرَفوُا عن باب الربوبيّة من هجوم إجلال سَطَوات العّزةِ عليهم فاحالهم الحق جلّ وعزّ الى آدم باقتباس العلم والادب في الخدمة حتى يوصلهم بعلم الصفات الى ما لم ينالُوا بالعبادات لانّهم عبدوا الله بجهل ولم يعرفوه حَقّ معرفته وهو عرف الله بحقيقة العلم الذي علمه من العلوم اللدنية لا جرم انّه استاذهم في علم المعرفة وان سَبقوا منه بالعبادة وايضاً لم يَرَ في الكون محبّاً صافياً كما يريد فجعل آدم لاجل المحبّة لانه خلق الملائكة لاجل العبادة فعرّفهم عند المشورة مع الملائكة خلوهم من المحبّة بشغلهم عنه بالعبادة وايضا اراد الملائكة ان يروا الله تعالى فعلم الحق ضعفهم عن النظر اليه فجَعَل آدم لهم حتى يَرَونه لان الله تعالى خلقه بيَدِه وصوره بصورته ووضع فيه مرآة روحه إذا نظروا فيها تجلّى لهم الحقّ تعالى وايضاً ليس في العالم شاهد جميل يحبه الحق فخلق بيده وألبَسَه صفة من صفاته وأحبه بصفاته لأجل صفاته وايضاً اراد الحق ان يظهر لهم نفسه في حقائق الصنع فانصرفوا من الحق الى الخلق وقيل عصوا الله تعالى باعتراض الحق في مذمة آدم ومَدَح انفسهم لما قالوا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } لان الله تعالى سَمّى آدم خليفةً في بدو الخطاب والخليفة لا يخيف ولا يجور فجهلوا مَنْ وصفه الله تعالى بخلافته وعلمه بخصائص محبته ومَدَحه بالخلافة وهم عَيَّروه بالفسق والجهالة من سوء الظن وقلة الادب فكشف الله تعالى نقاب القدس عن وجه آدم وأنور بجماله العالم فخجلوا من دعواهم واعتَرفوا بجهلهم فقالوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } وقولهم { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } تحركوا من حيث الاعمال وشان آدم من حيث الاحوال برؤية الفعل عن مشاهدة الاصطفائية التي سبقت بنعت الحسن لادم وايضاً تعرضوا بنعت المعبودية عند سرادِق العظمة منه على الربوبية فاسقطهم الله عن مقام حقيقة المعرفة واحوجهم باقتباس علمِ أحوالهم عن آدم قال بعضهم لما شاهَدُوا افعالَهم وافتخروا بها رد الله تعالى وجوهَهُم عنه الى آدم وأمرهم بالسجود له إعلاماً انّ العبادة لا تَزِن عنده شيئاً وقال بعضهم مَن استكبر بعلمه واستكبر بطاعته كان الجهل وطنه ألا تراهم لمّا قالوا { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ألجأهم الى ان قالوا { لاَ عِلْمَ لَنَآ } وقال الواسطى من قال اَنَا فقد نازع القدرة قالت الملائكة نحن نسبّح بحمدك ونقدس لك وذلك لبعدهم من المعَارِفِ وهم ارباب الافتخار والاعتراض على الربوبية بقوله { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } وقال ابن عطاء ان الملائكة جعلوا دعاويهم وسيلةً الى الله فامر الله النّارَ فأحرَقَ منهم في ساعةٍ واحدةً ألوفاً فاقروا بالعجز وقالوا { سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ } وقال جعفر لما باهوا بأعمالهم وتسبيحهم وتقديسهم ضربهم كلّهم بالجهل حتى قالوا { سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ } وقال بعض العراقيين شروط الخلافة رُؤية بداية الاشياء فصلاً ووصلاً اذ لا فصل ولا وصلَ لم ينفصل منه شيء واي وصل للحدث والقدم وقال بعضهم عَيَّروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصُنع به واظهر عليه صفات القدم فصار الخضوع له قربة الى الحقّ والاستكبارُ عليه بعداً من الحق وقال ابو عثمان المغربىّ ما بلاء الخلق الاّ بالدّعاوى الا ترى ان الملائكة لما قالوا { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } كيف رُدّوا الى الجهل حتى قالوا { لاَ عِلْمَ لَنَآ }.