الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } فضل انبياءه بعضهم على بعض تطييب لقلوب اوليائه لانهم اهل غيرة الحق وايضاً حتى لا يسكنوا عن طلب زيادة المقامات والدرجات وايضا حتى لا يركن بعضهم الى بعض فى حقائق المعرفة والمحبة وقال ابو بكر الفارسى الصوفى ما خلق الله شيئا الا هتفا قبلاً متفاوتا اقدراهم حتى الرسل قال الله عز وجل تلك الرسل فضلنا بعضهم ليعلم بذلك نقض الخلق وكما له تعالى عز وجل قوله { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } قطع بما بدأ من وصف الوهيته عن قلوب عباده اسباب العبودية لان العبودية يكون عرفان الربوبية لاجل ذلك ذكر نفسه فى اول اظهار وجوده وايضاً كشف عن نفسه بوصفه لعباده حتى اثبتهم بروز سلطنته فى قلوبهم عند خطرات الهجران عند قوله وايضاً دعى الخلق بنفسه الى نفسه قبل ذكر الاسباب حتى حيرهم به فيه وايضاً رسخ اشجار المحبة فى سوافى اسرار اهل المعرفة بذكره الهيته قبل كل شئ ثم ذكر لاحيرهم فى سراب العدم ثم كشف لهم عن جمال القدم وايضاً افرد قدمه عن العدم وايضاً ضرب سرادق التنزيه على سواحل بحر التوحيد قوله الا هو ازال العلل عن قدس الازل وكشف بالازل عن الازل سئل ابن منصور رحمه الله عليه عن هذه الآية فقال لا اله الا الله يقتضى شيئين ازالة العلة عن الربوبية وتنزيه الحق عن الدرك وقال ابن عطاء صدق قبول لا اله الا الله الصبر وبه ثبت على ايمانه والصدق وبه اجتهد فى الطاعات لربه فى سره واعلانه وانفاق من ماله مبتغيا به رضاه حتى لا يبقى لنفسه مدخراً غير خالقه والخلوة بربه فى الاسحار واظهار الافتقار بلسان الاستغفار نادما على عصيانه خائفا من هجرانه وقال ايضاً يحتاج مع قائل لا اله الا الله ثلاثة انوار نور الهداية ونور الكفاية ونور العناية فمتى من الله عليه بنور الهداية فهو من خواصه ومتى من عليه بانوار الكفاية وهو معصوم من الكبائر والفواحش ومتى من عليه بانوار العناية فهو محفوظ من الخطرات الفاسدة وقال بعضهم يحتاج قائل لا اله الا الله الى اربع خصال تصديق وتعظيم وحلاوة وحرمة فمن لم يكن له تصديق فهو منافق ومن لم يكن له تعظيم فهو مبتدع ومن لم يكن له حلاوة فهو مرائى ومن لم يكن له حرمة فهو فاسق قيل لابى الحسن النووى لم لا تقول لا اله الا الله قال بل اقول الله ولا ابقى به ضدا وقال بعضهم من قالها وفى قلبه رعبة او رهبة او طمع او سؤال فهو مشرك { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الحى الذى قامت به الاحياء والقيوم الذى يحيى بقيوميته الاموات وايضا الحى الذى يتهمهم به الانفاس والقيوم الذى يقوم بكفايته الاشخاص والحياة من صفاته الخاصة فى العدم وعامة فيما اوجد الخلق من العدم والقيوميته صفته التى لم يزل كان موصوفا بها ويحصلها انه استقبل بنفسه فى ازليته وابديته والحر الذى ليس حياته اسرار الموحدين فتوحدوا به له والقيوم الذى يربى بتجلىالصفات وكشف الذات ارواح العارفين فقنوا فى ذاته واحترقوا بنور كبريائه وقيل فى قوله الحى القيوم اجعله مراقبا في قيوميته عليك وعلى جميع العالم قيل انه قيوم بحفظ اذكاره على اسرار اهل صفوته وقال سهل القيوم قائم على خلقه بكل شئ واجالهم واعمالهم وارزاقهم وقال الخواص من عرفه بانه الحى القيوم الزمه معرفته له طلب كل شئ منه وترك القيام بشئ من اموره لقيام بها { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } يخوف بهذه الاشارة خواص المراقبين حتى لا تشتغلوا بغيره طرفة عين وايضا اخبر عنه تنزيه ازالة التشبيهة عن قلوب المريدين وايضاً بنفى السنة عن نفسه نزه نفسه عن الغفلة وبنفى النوم نفسه عن الغيرة وايضاً هذا اعلام منه جل وعلا انه ينتقم عن الظالمين المظلومين وايضاً علم الخلق تنزيه قدم صفاته وقدس عظيم ذاته اى انا مبدع العلات وانا منزه عن صفات المحدثات وقال بغداديون انى تاخذه السنة من كان ولا سنة ولوجد السنة قهر العبادة ونقصا ارتبط الاشياء باضدادها وانفرد هو عن الاحوال لانه محولها { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ازل حلاوة زهرة الكونين والعالمين عن قلوب اهل الصفوة بقوله له ما فى السماوات اى الحوادث الى استاصلها عن مزار وحدانيتى الا وهى الاسرار الموحدين رغبتهم بفنائهم عن الاسباب والعلامات ووبخ من التفت سره عنه الى ماله لان الالتفات من المنعم الى النعماء شرك بالمعنم { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } اغرق الشافع والمستشفع فى بحار مننه اذ لا يفرض كلائة عباده الا الى نفسه وايضا قطع اسباب حيل الوسيلة عن عناية الازلية وايضا ادب الخلق بهذه الآية حق لا ينبسط اليه الا من غلبه السكر والانبساط والاذن مقام الهيبة عند سرادق العظمة والحكم حال الانبساط فى بساط الالفة والخائفون مراقبون الاذن والعاشقون يريدون ويقتحمون فى الحكم لان صاحب الحكم فى هيجانه ملتبس بسناء التوحيد معتزل عن الاشباح بنعت التفريد اسكرته مشاهدة الحسن واضطرته مكاشفة القدس الى البسط والانبساط وهذين الوصفين يكونان فى العارف من الانبياء والاولياء فالاول نعت تبت والآخر نعت ادنى وقيل جذب به قلوب عباده اليه فى العاجل والاجل قال الواسطى لو جعل الى نفسه وسيلة غير نفسه كان معلول او من تزين باخلاصه ومحبته ورضاه وتوسل بصفاته الى من لا وسيلة له الا به قال الله تعالى من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه وقال منصور فاى الشفيع الى من لا يسعه غيره ولا يحجبه سواه وقال الواسطى من ذا الذى يدعونى حتى اذن له فى الدعاء ومن ذا الذى يؤمن بى حتى اهديه ومن ذا الذى يطيعنى حتى اوفقه ومن ذا الذى ينتهى عن المعاصى حتى اعصمه { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } اى يعلم ما بين أيديهم من الخطرات وما خلفهم من العثرات وايضا يعلم ما بين ايديهم من المقامات وما خلفهم من الحالات وايضا يعلم منهم قبل ايجادهم ما ابتلاهم به من اسرار الافعال المقرونة بالارادة ويعلم منهم بعد كونهم من درك المعائنات فى مقام العبودية من اسرار علم الازليات وقال ابو القاسم يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم لانه لا يخرج عن علمه معلوم ولا يلتبس عليه وجود ولا معدوم { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } حجب علم القدم عن ادراك من اوجد من العدم الا ما كاشف لاهل القلوب من معائنات الغيوب وايضاً اى ولا يحيطون بشئ مما علمه الله من نفسه من علم الازل الا بما شاء اى الا به لانه لا وسلية الى علمه سواه وقيل ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء يعنى من معلوماته واذا تقاصرت العلوم من الاحاطة بمعلوماته الا باذنه فاى طمع لها فى الاحاطة بذاته قالها ابو القاسم القشيرى { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } كرسيه قلب العارف وهو اوسع من السماوات والارض لانه معدن علوم الالوهية وعلم اللدنى الذى لا نهاية له ولا حد له وايضا كرسيه عالم الملكوت وهو مطاف ارواح العارفين لجلال الجبروت وايضاً كرسيه وعرشه قبلتان لاهل الحدثان ولا جهة للرحمٰن ولا يعرفه بنعت التنزيه عن التباس الكون والتصاقه الا اهل كشف العيان وقيل العرش والكرسى اظهار للقدرة لا محلا للذات وقال القاسم خاطبهم على قدره فهمهم والا فانى خطراً للاكوان عند صفاته وحلال قدرته عن التعزز بعرش او كرسى او التجلى بجنى او نسى قيل علمه وقيل الكرسى فى السماوات والارض هى منه كدرة { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } اى لا يعجزه حفظه ذلك على سعته وكبره وايضاً لا يوازيان فى عظمته خردلة لانهما فى ملكه وسلطانه اقل من ذرة وايضاً قامت السماوات والارض به لا علة فى صنعه ولا آلة فى فعله منه ظهرت وبه قامت وقيل وصف نفسه بالامتناع عن اعتراض القواطع والعلل.