الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } الخمر حب ما سوى الله لان زيغ بصر السر عن مشاهدة الحضرة الى الكون بنعت استحسانه حجاب لعقل الكل اذا خامر النفس سر القلب باشره الغفلة وسكرت بادراك هواها وحظوظها وسقطت عن مباشرة العبودية وبتاثيرها احتجبت الروح عن معائنة الآخرة وبقيت فى حجاب النفس عن الوصال والمقام والمشاهدة والميسر حبل الشيطان والنفس مع القلب فاذا مال القلب الى شهوة النفس فقد قامرها وصارا مقموراً مسلوب الايمان والعرفان { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } ان ظلمة الخمر تطفى نور العقل ويقوى طرب النفس الامارة فاذا خمد نور العقل وارتفعت ظلمة الجهل تفسد النفس مقام الايمان وتخربه وهو القلب واذا كان القلب خرابا ومنبع الايمان مضمحلا فهو قريب من الكفر والكفر آخر الاثم واللعب بالنرد وامثال ذلك كانه تعبد الاوثان لان في الاشتغال به اشتباه نور الايمان تمثال النرد والشطرنج وتخييل الفهم صور الخيال وهذا اول اسباب الشرك لانهما اما جميع الخبائث { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } اى معرفة أفاتهما وسوء عاقبة من يشغل بهما وايضاً فى زوالهما منافع للناس وقيل فيها اثم كبير فى تناولهما منافع للناس فى تركهما { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } العفو عند العارفين ما سوى الحق من الكونين يعنى اتركوا الى ما شغلكم عنى وان كان لكم فيها خصاصة حتى يكون لكم ذخراً فى جميع انفاسكم عوضا لما تركتم فالخواص ينفقون ما يحبون طلبا لمرضاته وتركا لمرادهم لان الحق سبحانه لا يزيد اوليائه شهوة الكونين والعالمين غيره على احوالهم وصوناً لاسرارهم والعوام ينفقون زوائد اموالهم حصناً لها وحرصاً بها { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } اى لعلكم تقطعون بواديها بأجنحة الافكار ليخلص قلوبكم عن وجودهما انوار افعال الحق وحسن صنعته القديم وبه تبصرون فيهما نور صفاته لتبلغوا به مشاهدة حسن جلال ذاته وايضا لعلكم تبصرون بعين التفكر على صورة الدنيا لباس قهره خدع به اعدائه ليحتجبوا بزهرة الدنيا عن معرفته وعلى صورة الآخرة لباس لطفه ابتلاء به اولياءه وليختبرهم بلذة الآخرة حتى يظهر صدق دعواهم فى محبته عن رعونات بشريتهم وقيل لعلكم تتفكرون فى الدنيا والآخرة اى انهما والاشتغال بهما مما يقطعان عن الحق وقيل انهما على مكر وخديعة الا ترى ان طاووساً لما قرأإِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } فقال لو علموا عن من مأواهم ما اشتغلوا به.