الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } يعنى فى ميثاق الاول حين خاطبهم الحق سبحانه وتعالى جل سلطانه بتعريف نفسه لهم حيث قال الست بربكم قالوا بلى كانوا امة واحدة فى اقرارهم برؤية خالقهم والزام عبوديته على انفسهم لما راوا من عظم برهانه وشواهد سلطانه وما سمعوا من عجائب كلامه وما ادركوا من انوار قربه وصفاته وذلك الجمعية قبل ان يبتليهم الله بالعبودية فلما اختبرهم ببلايا العبودية الى الدنيا فتفرقوا جميعا فاهل الصفوة ساعدهم التوفيق فبقوا على المشاهدة والقربة وادراك انوار الصفوة ثابتين فى دفع حطام الدنيا عن مجالس اسرارهم مع سيدهم مستقيمين فى خدمته بلا طلب الاعواض من الكرامات مقصدين فى سلوك المعرفة والمحبة فانزل الله سكينته فى قلوبهم ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم فلا جرم ما زاغوا عن طريق الاستقامة وما زاغوا عن مشاهدة الحبيب الى حضرة الدنيا وشهوتها وما باعوا كرامة الحق بالدنيا الدنية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً واما اهل الخذلان فاوبقهم الحق فى ظلمة هواء نفوسهم حتى استاثروا الدنيا على الآخرة ونسوا عهد الله ونزلوا على مراد الهوى وتركوا نعيم الرضا ومالوا عن طريق الهدى الى مضلة الضلال ودول الجهال وايضا كانوا بعد كونهم من العدم جلة فى غيبة من الحق قبل خطاب الحق معهم وكشف قربه لهم فاذا كشف الله عنهم حجب الانسانية واراهم مشاهدة القربة فتفرقوا جميعا فى شعب المعارف والكواشف فبعضهم صادقوا حقائق المقامات فوقفوا بها على شرط العبودية وبعضهم صادقوا لطائف الحالات فبقوا فيها متنعمين بمشاهدة الربوبية وبعضهم نالوا خصائص الكرامات والمعجزات فشاهدوها بشرط اداء الامانة وبعضهم ادركوا صرف المشاهدة من الحق جل كبرياؤه فتاهوا فى وادى العظمة وطاروا فى هواء الهوية وساروا فى فقار الديمومية واما اهل الحرمان فصادقوا فى اول نهوضهم من زمرة الوحدة مهالك القهريات فغابوا فى شعاب الضلالات فبعضهم تهودوا وبعضهم تنصروا وبعضهم تزندقوا وبهذا جف القلم الى اليوم القيامة ليس لهم فى الايمان والخذلان اكتساب لانه اختيار الله الذى قد سبق لهم فى العذم وختم به القضاء المبرم ومن هاهنا تفرقت القلوب وتشقها عن الموبقات لان الارواح جنود مجندة.