الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ }

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } الخوف هٰهنا على سبعة اقسام خوف من النفس وخوف من الشيطان وخوف من الكفار وخوف من النار وخوف من الفراق والقطيعة وخوف الحجاب وخوف التعظيم والاجلال امّا خوف النفس فهو جبن الطبيعة ممزوج بضعف البشرية يهيجه قهر الحق تعالى لامتحان العبد في محل العبودية ليظهر صدق محبته من رعونات بشريته ولا يزول هذا الخوف من العبد اصلاحا في جميع عمره لان هذا صفة نفسه والنفس مطبوعة الجهل وقلة عرفاتها يصدق مواعيد مولاها الا في اشراق شمس اليقين بنعت التمكين وغالب هذا المقام خطراتٌ وان كان اصله وطناتٌ وتفصيل هذا الخوف من النفس خوف فقدان الرزق ونفورها من المجاهدة واضطرابُها في تصديق وعد الله في الآخرة واما الذى من الشيطان هو تخويف العدُوّ مريدَ الحق في ترك الدنيا بالفقر الدائم والامراضُ والاوجاع وبذل المهجة لتلف النفس وفقدان المقامات وهذا امتحان الله تعالى لاوليائه ليثبت جزاء محاربتهم على عدوهم ويظهر صدق نياتهم في مقاماتهم واما خوف الكفار هو قطع الحياة وزوال الصورة في القتل والضرب وتعذيب الالوان لان الانسان يحب حياته ويبغض موته فيبتلى الله الانسان لخوف الكفار ليبدو صفاء صدق حب لقاء الله من حب حياته كما قال الله تعالىفَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } واما خوف النار فهو لجام النفس الامارة يلجمها بطش قهر الحق حتى يمنعها من سوء الادب والافعال والاخلاق المذمومة والعوارض البشرية ورجس الطبيعة وفرط الشهوات واقتحامها في الكبيرات وايضا امتحنه الله تعالى بخوف النار لان خوف النار من جمله الحجاب بين العبد والربّ تبارك وتعالى واما خوف الفراق وهو خوف دائم في قلوب العباد ما داموا فى الدنيا وهو اعظم الامتحان ليجتهدوا فى طلب المراد ببذل المهج والانفراد عن جميع الكون حتى يصلوا الى مقام الامن بلا صفات النفسانية ورحمة البشرية واما خوف الحجاب وهو تهييج العناية بنعت الرعاية اسرار اهل المحبة حتى يفروا منه اليه لانهم يعلمون انهم مبتلون منه به واما خوف التعظيم والاجلال فهو امتحانٌ منه لاهل المكاشفة في مقام المشاهدة لينظر هل يمتنعون من الناس مقام الانبساط بصدمة الصمدية وقهر الكبرياء بنعت العزة واما الجوع فهو ابتلاءٌ من الله تعالى لاوليائه ليصفيهم به عن كدورات البشرية وخبث الطبيعة واحتراق حجب النفسانية بين قلوبهم وبين اسرار الآخرة المحجوبة عن رؤية الابصار الظاهرة والزم هذا عليهم ليعلم منهم حقيقة طلبهم مرضاته فى عنوان نياتهم وايضا حقيقة الجوع هٰهنا عند العارفين جوع القلب في طلب المشاهدة عن فقدان طعمة الوصلة فجوعهم الى مشاهدته واحرق اكبادهم بعطش شوقه حتى يسرعوا في طلب الوصل الى ابواب سرادق الجبروت ويحترقوا في انوار القدم عن عالم الملكوت واما نقص الاموال نقص ما حصل لهم من متاجرتهم مع سيدهم من الدرجات والمقامات والحالات لان هذا اموال رجال المعرفة بالحقيقة واما نقص الانفس نقص الانقس المطمئنة عن حقيقة ايقان الوصول الى مشاهدة القربة بنعت الفترة فى معاملة الآخرة ويجوز ان يكون نقص الانفس الامارة عن مالوفاتها وغفلاتها برؤية منن مولاها ومقاساة مجاهدة صواحبها واما الثمرات فهى ثمرات اشجار المقامات والحالات السنية والكرامات العالية وهذه كلها بليات اولياء الله في سير اسرارهم في ميادين الوحدانية وبيداء الازلية امتحنهم بهذه الصفات ليظهر صدق ارادتهم في طلب مشاهدة الحق عز وجل وينفخ بهذه نيران اشواقهم وبرياح الجذبة ونسيم الوصلة حتى يحترقوا بها فى طلب مبتغاهم بنعت الفناء لان من شرط حقيقة القربة احتراق ارواح السابقين والمقتصدين فى انوار جلال المشاهدة { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } بحصول مقصودهم منى بعد خروجهم عن امتحانى.