الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

اى فاذكرونى بلسان الاسرار اذكركم بكشف الانوار واشكروا لي بخالص العبوديّة ولا تكفرونى بادراك المعرفة وايضاً فاذكرونى بالاعراض عن الكون اذكركم بارتفاع النون لأشكر وإن ببذل الاشباح ولا تكفرونى بتعذيب الارواح وايضاً فاذكرونى في زمان الغفلة اذكركم بانزال الرحمة واشكروا لي واشكرونى بقصد القربة ولا تكفرونى بمساوء البشرية وايضاً فاذكرونى برؤية ذكرى لكم في الازل قبل ذكركم لى اذكر نفسى لكم كما ينبغى لى لانكم لا تطيقون ان تذكرونى بحقيقة الذات والصفات وكيف يذكر الحدث صفات القدم والالسنة عن وصف ثنائه خرسة والعيون عن ادراك جماله منطمسة والاسرار عن البلوغ الى كنه عظمته فانية واشكروا لي بتعريف العجز عن اداء الشكر ولا تكفرونى برؤية ذكركم لى لان ذكركم لى واجبٌ خفى كفركم وقال الواسطىُّ حقيقة الذكر الاعراض عن الذكر ونسيانه والقيام بالمذكور وقال بعض العراقيين في قوله فاذكرونى اذكركم قال سريع الحق يحتمل به الموارد وهو ذكره اياك ولولا ذكره اياك ما ذكرته وقيل اذكرونى بجهدكم وطاقتكم لأقرن ذكركم بذكرى فيتحقق لكم الذكر يسمّون حقيقة الذكران ينسى كل شئ سوى مذكوره لاستغراقه فيه فتكون اوقاته كلها ذكر وانشد
لا لأنى انساك اكثر ذاك   ولكن بذاك يجرى لسانى
وقال بعض البغداديين الذكر عقوبة لانه طرد الغفلة وما لم تكن غفلة فما معنى الذكر وقال بعض المتأخرين من اهل خراسان كيف يذكر الحق بعقول مصنوعة اوهام مطبوعة وكيف يذكر بالزمان من كان قبل الزمان على ما هو به اذا لحق سبق كل مذكور وقيل فاذكرونى على الدوام ليطمئن قلوبكم بي لانه يقول الا بذكر الله تطمئن القلوب وقال بعضهم اتم الذكران تشهد ذكر المذكور لك بدوام ذكرك قال الله تعالى فاذكرونى اذكركم قال ابن عطاء اذكرونى من حيث انا اذكركم من حيث انا ولا تذكرونى من حيث انتم فيقطع دونى ذكركم وقال بعضهم اذكرونى بتوحيدي اذكركم بلقائى واذكرونى بطاعتى اذكركم بالدرجات واذكرونى بالتوبة اذكركم بالمحبة واذكرونى بالنعمة اذكركم بالمزيد عندكم اذكرونى فى افراحكم اذكركم في همومكم وقال بعضهم ان الذاكرين على مراتب قوم ذكروا الله بالسنة ناطقة وقلوب عارفة حتى وجدوا حلاوة الذكر وقوم ذكروا الله بافعال مخلصة وطاعات مرضية حتى نسوا انفسهم لوصولهم الى ما طارت اليه قلوبهم وقوم ذكروا الله بحالاتهم حتى وقفوا في بحار الحياء لانهم نظروا الى ذكر المولى اياهم في الازل وبقاء ذكره عليهم الى الابد فوجدوا ذكرهم بين ذكرين عظيمين فذابوا حياء فصار الذكر عندهم هباء.