الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } * { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }

قوله تعالى { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } الرزق هناك حقيقة كشف مشاهدة الحق ورؤية جماله ووجدان وصاله فكل وقت ينكشف جماله لهم فذلك الوقت بكرتهم واذا حان وقت ارخاء الحجب يرونه قبل ذلك وهذا لعموم المريدين والمؤمنين فاما العارفون والمحبون والمشتاقون والموحدون فهم فى منازل وصاله وكشف جماله بالسرمدية ولا ينقطعون عنه لمحة ولو احتجبوا لحظة لماتوا فى الجنة من فوت ذلك الحال ولو بقى اهل الجنة فى مشاهدة الحق على الدوام لذابوا من صولة سطوات جلاله وجماله قال أبو يزيد قدس الله روحه لو احتجبت فى الجنة عن لقائه لمحة انغص العيش على اهل الجنة قال محمد بن عيسى الهاشمى ردّ الاشباح الى قيمتها من المطعم والمشرب بكرة وعشيا وتزاد والارواح والاسرار عن ذلك بقوله ان المتقين فى مقام امين وهو مقام لا ينزله الا من كان ظاهره الامانة سر او علنا ثم بين سبحانه ان تلك الجنة والمشاهدة الكريمة الازلية لمن كان متبرئا بهمته عن الكونين وبسره عن الدارين وبعقله عن العالمين وبحقيقته عن نفسه وعن جميع الخلائق بقوله { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } الجنات هى منازل شتى جنة المحبة وجنة المعرفة وجنة التوحيد وجنة رؤية انوار الفعل وحكم الغيب فيها واسرار المقادير وجنة منها رؤية انوار الصفات ومشاهدة كل صفة للعارفين جنة وعيان الذات جنان الوصلة وهو اصل كل جنة فاهل الحق فى كل لحظة فى جنة من هذه الجنان واوصافهم التبرى من غير الله فاذا خرج عن الاكوان والحدثان فاورثه الحق تلك الجنان وحاشا انها مقرونة باكتساب الحدث بل اصطفاهم فى الازل بتلك الخاصية ووقاهم من محن الامتحان والحرمان واعطاهم حسن وصاله وكشف لهم من جلاله وجماله قال بعضهم فى هذه الآية نجعلها لمن يطلبها بفضلنا الا بعمله فان الجنة ميراث سعادات الازل لا ميراث الاعمال والعمل سمة ربما يتحقق وربما لا يتحقق والتقوى نتيجة تلك السعادة قال الواسطى اذا بلغت العقول الغاية وبلغ بها النهاية فحاصلها يرجع الى حدث يليق بحدث وحسبك من ذلك قوله { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ } الخ لما كان التقوى وصفك قابلك بما يليق بك واعلمك انه غاية ما يليق بتقواك ونهايتك فى نجواك ثم ان الله سبحانه ذكر وصفه وربوبيته وسلطنة كبريائه واحاطته بجميع الاشارة علماً وقدرة وحكما واثباتاً لحقوق الربوبية على اهل العبودية بقوله { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } وصف ارتسام السماوات والارض وانتظام ما بينهما باصطناع قدرته واحاطة علمه ثم الزم حقه على عبده وحبيبه وعلى الخلائق من العرش الى الثرى بعد بيانه انه هو القادر بذلك لا غير وامره بالصبر في عبادته واوضح الحجة بان لا شريك له في ملكه ولا ضد له في سلطانه ولا نديد له في كبريائه بقوله { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } اى ما تعلم إلهاً غيري ووجود الوهية الغير مستحيل من كل الوجوه اى اصبر معى فى عبادتى ومعرفتى واستغن بى فى خدمتى ومعرفتك بى وسل منى ما تريد ولا تظهر حوائجك لغيرى فان ما تريد لا يقدر بذلك احد سواى قال محمد بن الفضل هل تعلم احد يجيبك فى اى وقت دعوته ويقبلك فى اى أوان قصدته وقال الحسين بن الفضل هل يستحق احد ان يسمى باسم من اسمائه على الحقيقة وقال اهل التفسير هل تعلم احدا يسمى الله الا الله ومن اوضح النكت فى اسرار الحقيقة من الآية نفى الحق الربوبية عن كل متصف متحد وان كانوا مستغرقين فى جمال الوهيته وردهم الى قيمتهم من العبودية اى ما دام تلك الكسوة النورية الازلية عليكم عارية تذهب بذهاب الكشوف وغيبة المواجيد والصحو بعد السكر ينبغى ان لا يترجوا من اصل قيمتكم فان القدم قائم بالقدم وبقى الحدوث على نعته لا كنت اذ غبت فينا اذا غبت عنا انا انا وانت انت هل تعلمه سميا بحقيقة اسم الالوهية التى انوارها تزيل الحدثان وتهلك جميع الاكوان بقهر سلطانها وتصديق هذه الاشارات.