الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } * { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } * { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } * { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } * { يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }

{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } وتخصيص زكريا برحمته وذكره انه كان عليه السّلام تعرض بنعت الفناء والعجز بجلال جبروته وعظائم ملكوته ليهب له من يرث منه علوم الحقيقة ولطائف حكم الالهيّة فاخبر سبحانه عن تعطفه به ورحمته الكافية عليه بانه اجاب دعوته واعطى مأموله وجعله اماما للخاضعين ومقتدى للسائلين قال الحريري في هذه الحروف سبب { رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } قال ابن عطا ذكر اختصاص زكريا بالرحمة وان كان رحمته قد وصلت الى الانبياء فخص زكريا من بينهم باللطف رحمة وهو ان وهب له يحيى الذي لم يعص ولم يهمَّ بمعصية فهذا هو محل اختصاصه ثم وصف الله سبحانه نبيه زكريا بلطائف المناجات وخفى الذكر في المراقبات بقوله { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } اذ حاج سره الى طلب الخنوع في الربوبية والفناء تحت العظمة والذهاب عن الذهاب في برجاء الهيبة في مقام المشاهدة ونجوى سره فناجى سر سره خفيا عن سره ونادى سره خفيا عن روحه ونادى روحه خفيا عن عقله ونادى عقله خفيا عن قلبه ونادى قلبه خفيا عن نفسه ونادت نفسه خفيا عن صورته ونادى لسانه بل جميع وجوده لساناً خفيا عن غير وبه فمناجاته ونجواه أخفى عن كل خفى لانه نادى ربه بربه وتلك المناداة ما وصف عليه السلام بالخيرية والخاصية عن جميع العبادات والاذكار والافكار بقوله " خير الذكر الخفى " قال ابن عطا { نِدَآءً خَفِيّاً } اخفى نداءه من الخلق ومن نفسه واظهر النداء لمن يجيبه ويقدر على اجابته وفائدة اخفائه النداء من الخلق ومن النفس لئلا يدخله تلوين وقال بعضهم خفى في الذكر عن الذكر ومن ذا قيل اذا اذهلتك العظمة خرس قلبك ولسانك عن الذكر قال بعضهم اخفى سؤاله عن نفسه وروحه فنداؤه لمن يقدر على اجابته وقضاء حاجته فسمع الحق نداءه ووهب له يحيى كما طلبه ثم وصف الله سبحانه عبده زكريا بانه جعل نفسه في مقام العجز والتواضع في سؤاله عن ربه وهكذا حال السؤال على باب جبروت ذى الجلال وكان في دعائه موقنا لان قلبه شاهد مقام استنشاق نفحة الاجابة لذلك قال { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } قال ابن عطا قام مقام معتذر لما وجد في نفسه من فترة العبادة لكبر السن فسأل الله من يعينه على عبادة ربه وينوب عنه فيما عجز عنه من انواع العبادة منابه فقال { وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } ورضاه لخدمتك ومستصلحة لعبادتك ثم انه كان عليه السّلام راى بعين سره روح ابنه في الملكوت طائرة في رياض الجبروت فسأل ما رأى فقال { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } ناصراً صديقاً نبياً مرسلاً يعرف حالى ويرث مقامى ويتخلق بخلق ابائي { وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } مرضيا عندك وبعد اتصافه بصفتك راضيا عنك بعد ما شاهد الرضوان الاكبر بنعت المتبري عن غيرك قال ابن عطا { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } اى ولدا نتخذه وليا يرث منى النبوة ويرث من آل يعقوب الاخلاق وقيل { يرثنى } النبوة ويرث من آل يعقوب السخاوة والكرم والصبر على النوائب والرضا بالمقدور قال ابن عطاء في قوله { وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } يرضى منه اخلاق الظاهر ويرضيه عنك في الباطن وقال جعفر ورضيا اى راضيا بما يبدو له وعليه قال ابو حفص اعتذر الى ربه في ضعفه عن القيام بالعبادة على حسب ما يريد ثم هو سبحانه بشره بما سره فقال { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } يحيا بحياته ومشاهدة جماله ومعرفة كماله نفخ نفس صبح القدم في يحيى فيحيا من موت العدم بانوار القدم واذا حيّ بحياته لم يمت بموت الفرقة وما طرأ عليه طوارق قهر الغيرة وقد تخصص من بين الانبياء والرسل وجميع الخلق من طريان الامتحان الذى يكون سلب حجاب القلوب عن الغيوب ولذلك خص اسمه وخصه بهذا الاسم المبارك بقوله { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } فكان في اسمه ياءان وحاء فالياء الاولى ياء نداء الحق في الازل نادى الحق بنفسه الى العدم ودعا من نفسه بنفسه وجد عبده يحيى فتكون بياء نداء الازل واجاب الفطرة الفعلية نداء الحق فصار قائماً بقدرته بعد ان تجلى الحق من حاء حياته لتلك الفطرة فصيرورته بروح الحق وروح حياة الحق فنادت تلك الفطرة بعد كونها ودعت صانعها واقرت بربوبيته فالياء الاول نداء الربوبية من العدم والياء الثانى من اسمه نداء بنعت الجواب بالعبودية من العدم فألبسه الحق بين ياءين روحاً من حاء حياة الازلية فصار حيا بحياته مقدسا من غدرات الموت ولا اعتبار بذهاب الصورة عن البين فانه نقل عقل مع نقل الروح لذلك قال عليه السّلام

السابقالتالي
2