الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }

قوله تعالى { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } الاشارة الحقيقية هٰهنا ان جوهر مريم جوهر فطرة القدس قرباه الحق بنور الانس تقى جميع انفاسها مجذوبة بنعت القرب والانس الى معدن الانوار الالوهية فصارت كل وقت مراقبة بظهور شمس الجبروت من مشرق الملكوت فاعتزلت عن الاكوان بالهمة العالية المنعوتة بنور الغيب فاقبلت الى مشارق شموس الذات والصفات واستنشقت نفحات الوصال من عالم الازل فوصل اليها نفحة وصال الازلية واشرقت عليها شمس مشاهدة القدسية فلما شهدت مشاهدة مشرق تجلى الازل برقت انواره ووصلت اسراره الى روحها فحملت روحها بروح الغيب فصارت حاملة الكلمة الكبرى ونور الروح الاعلى فلما عظم شانها بعكس جمال تجلى الازل عليها استترت من الخليقة واستانست بعروس الحقيقة وذلك قوله { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً } فلما خلت بذلك النور والبرهان فبان لها نور صدر من تجلى الجلال والجمال ووصل بنور روحها بعد ان تمثل لها بصورة عيسى وذلك قوله سبحانه { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } اذا فرغنا من وصف القدس اللاهوت عن الناسوت وعجز الناسوت عن ادراك اللاهوت وتنزيه جلال الحق عن ممازحة الخلق وافراد القدم عن الحدوث وعزة جماله وكبرياء ازليته عن المماثلة والمشابهة يقول ان ارسال الحق روحه اليها ان ذلك الروح ظهور تجلى قدس الذات في نور الصفات ونور الصفات في لباس الافعال على صورة حسنة مرغوبة اليها ميل كل روحٍ بنعت الشوق اليها وذلك روح الفعل وروح الصفة وروح الذات في لباس نوره على قدر عقلها لذلك قال { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } وهذا عادة ظهور الحق في بداية عشق العاشقين ليجذب بها ارواحهم وقلوبهم الى معدن تعريف الصفات والذات صرفاً بعد انفراد الحقيقة عن الخليقة ومن ذلك قال عليه السّلام " رايت ربى في احسن صورة " قال ابن عطا في قوله { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } نوراً منا القيناه عليها وخصصناها به فاين الكون فيه اثره فاخرج من ضياء نتائج ذلك النور عيسى روح الله صلوات الله عليه وروى عن ابى بن كعب رضى الله عنه ان ذلك البشر الممثل هو روح عيسى.