الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }

قوله تعالى { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } الكتاب كلام الحق الأزلي، كلف الله سبحانه يحيى عليه السَّلام حمل كتابه الأزلى وامره ان يأخذ بقوة قال خذ الكتاب بقوة واذكر الله بقوة اى خذ الكتاب الاولى بالقوة الازلية التي البستها روحك وصورتك حيز خلقتك بمباشرة قوتى الجبارية الازلية ولولا تلك القوة في نفسه كيف كان ياخذ الكلام القديم والقديم ولا يحتمل إلا بقوة من القدم اى خذ كتابنا بنا لا بك خذ بقوتنا لا بقوة الحدثية وايضا خذ كتابنا بمعرفة كتابنا وبمعرفتنا تعرف في حقائق كتابنا وايضا خذ باستعانتك باخذ كتابنا ثم وصف امتنانه عليه حيث ما بالى انه لم يكن بالغا بقوله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } عرفناه مكان الحقيقة في معرفة صفاتنا وذاتنا في زمان صباه لان روحه خرجت من عالم الملكوت كاملة بانوار الجبروت وايضا أتيناه الحكمة البالغة والمعرفة الشاملة والفراسة الصادقة والمحبة الشافية قال ابن عطا الحكم المعرفة وقال جعفر التوفيق لاستعمال اداب الخدمة قال الحسين كان روح يحيى معجونا بانوار المشاهدة ونفسه معجونة باداب العبودية والمجاهدة لذلك قال له { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } وقال يوسف بن الحسين اوتى يحيى حكما على الغيب وفراسة صادقة لا يخالطها ريب ولا شك ثم وصف الله سبحانه صفيه يحيى بالطهارة والرحمة والتقوى بقوله { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } اى آتيناه رحمة من عندنا تلك الرحمة العندية انه تعالى البسه كسوة من صفات رحمته حتى جعله رحمة للمنقطعين وشفاء لمرضى المحبين وجعله مطهرا بان قدسه في بحر جلاله بزلال وصاله عن غبار الامتحان وحرزاً للعصيان جعله تقيا معرضا عن غيره مقبلا عليه بنعت الشوق والمحبة قال الواسطى في ذلك الذى اوجب له الانبساط والدلال وقال سهل رحمة من عندنا وطهرة طهرناه بها من ظنون الخلق فيه وكان تقيا معرضا عما سوانا مقبلا علينا ثم ان الله سبحانه من شرف يحيى زكى روحه وقلبه وصورته بروح روح سلامة خطابه بقوله { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } سلام الازلى على روحه حين خرجت من نور كافه ونونه اللذين هما روحان من تجلى صفات الحق وذلك السّلام سلامه تجلى جماله لروح يحيى في بدو امرها فلما وصل بركة سلام الله مع نور جوده الأزلي أحاطت بها بنعت العصمة الى يوم خروجها من صورة فلما كلمت العصمة فيه جازاه الله بزيادة كشف جماله وخطابه معه وسلامه عليه حين انتقل من دار الفناء الى دار البقاء لئلا يكون له وحشة من خوف العاقبة فيبقى بين سلامين وبين مشاهدتين حتى يكون وقت العرض الاكبر فلما حان وقت وقوفه بين يديه يؤمنه بسلامة من العتاب ويفرحه بكشف النقاب ويؤويه الى خير المآب فالسلام الاول تربية والسلام الثانى عصمة والسلام الثالث وصلة ومشاهدة قال ابو بكر بن طاهر سلام عليه يوم ولد تحية ربه له وأمان له من كل مخدور واتصال العصمة الى المماتِ وقوله وسلام على يوم ولدت من ثنائه على نفسه انطقه بلسانه وهو اغرب في العلم وادق في العطف وقال الواسطى سلام في طرفى حياته مماته من جريان مخالفة عليه بقوله سلام عليه الآية.