الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً }

قوله تعالى { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } ان الله سبحانه جعل فى الارض آيات السفلية من كل ما اظهر فيها من الانهار والاشجار والجبال والبحار والمعادن والنبات والرياحين والبسها قمص انوار صفاته وجعلها مرآة للعارفين لينظروا فيها ويروا فيها انوار جلاله وجماله واى زينة لها اعظم من نور بهائه وضياء صنائعه ويمتحن بذلك المحتجب بمحل الزينة والمنفرد برؤية الصفات وذلك قوله { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } العمل ههنا ترك صورة الزينة والمزين والاشتغال بالمزين بان آثار جماله مبين من كل ذرة فمن نظر الى ذلك راى الاشياء بالحقيقة لذلك قال عليه السلام " ارنا الاشياء كما هى " وايضا زينة الارض اولياء الله والخلق ممتحنون بهم حتى من يعرف حقوقهم فحسن العمل النظر اليهم بالخدمة قال ابن عطا احسن اعراضا عنها وتركاً لها وقال سهل احسن توكلا علينا فيها وقال ايضا حسن العمل الاستقامة عليها بالسنة وقال القاسم زينة الارض الانبياء والاولياء والعلماء الربانيون والاوتاد وقيل اهل المعرفة بالله والمحبة له والمشتاقون اليه هم زينة الارض ونجومها واقمارها وشموسها وقال الجنيد اهل الفهم عن الله هم الذين جعلوا ما على الارض من زينتها عبرة لهم لئلا يتشاغلوا بشئ من الزينة ولا يعملون بشئ من الزينة ويعملون لمن زين هذه الزينة وقوله لنبلوهم ايهم اعلى همة واطرب نفسا فى الاعراض عما لا يبقى بالاشتغال بالباقى وقال الواسطى ايهم افزع قلبا واصفى قصدا يقال العباد بهم زينة الدنيا واهل المعرفة بهم زينه الجنة ويقال زينة الارض يكون الاولياء وهم امان فى الارض ويقال اذا تلألأ انوار التوحيد فى اسرار الموحدين اشرق جميع الآفاق بضيائهم وقال الاستاذ فى قوله احسن عملا اصدقهم نية واخلصهم طوية ثم ان الله سبحانه لما اوى اولياؤه الى حضرته القديمة بقى ما على الارض من زينة صعيدا جرزا يابسا او ارضا قفراً لانبات فيها ليتعطل الحدثان ويبقى الرحمن بقوله { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } اى تغرب شموس انوار الصفات فى مغارب الافعال فلا يبقى فى مرآة الفعل اثر من نور الصفة لان نور الصفة رجع الى معدنه من الذات وظهوره لاجل سلب قلوب الصديقين من الاولياء الى تلك المعاهد فاذا بلغوا الى مأواهم ذهب معهم انوار الصفات قال الواسطى فى هذه الآية الكون فى قبضة الحق وهو هباء فى جنب القدرة قال الله { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً }.