الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً }

قوله تعالى { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } احسن الادب موسى عليه السّلام حيث استاذن فى المتابعة عرف موسى ان علم الحق لا نهاية له فاشتاق إلى ما فوق علمه فاستعلم مكنونه من مواضع تجليه وخاصية خطابه وذلك الرشد الاعلى بحيث اذا علمه عرف فى جنبه الحق بنعت خاص دون ما علمه السيار والسباح فى بحر وحدانيته وميادين قدره غرثان الى علم الوهيته ولا باس فان ذلك العلم الذى عند الخضر لم يكن عند موسى فاراد سبحانه ان يعرف موسى ذلك العلم السرى النور الغيبى فامتحنه بصحبة الخضر لاستقامة الطريق ولتقويم السنة فى متابعة المشايخ وليكون اسوة للمريدين والقاصدين فى خدمتهم اشياخ الطريقة وكان موسى اعلم من الخضر بما عنده من الحق ولكن ليس عنده ما كان عند الخضر فى ذلك الوقت فساعده التوفيق فعرف منه ابواب تلك الاسرار المكتومة فدخل فى باب علم الخضر الى عالم العلم المجهول وبلغ الى مقام فيه غاب علم الخضر وعلم جميع الخلق هناك وهذا زيادة فضل الله على موسى قال فارس ان موسى كان اعلم من الخضر فيما اخذ عن الله والخضر كان اعلم من موسى فيما وقع الى موسى وقال أيضاً ان موسى كان مبقى عليه صفته لياخذ الغير ادبه فمن انقطع عن الرياضة كان على حسب العصمة والتمكين فيه والخضر كان فانيا مستهلكا والمستهلك لا حكم له وموسى كان باقيا بالحق والخضر كان فانيا بالحق ولا فرق بينهما لانهما تكلما من معادن واحد ثم ان الخضر تعلل ودفع صحبة موسى ونسب موسى الى قلة الصبر معه وبقلة العلم بما عنده وهو يعلم ان موسى اكرم الخلق على الله فى زمانه وهو رجل منبسط معربد مفزع من صحبته فدفع صحبته بقوله { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } فقرن الصبر بالعلم وبين ان قلة الصبر من الجهل وكان موسى صابرا عالما ولكن من حمية فى دينه وشريعته لم يقبل ما لا يوافق الشرع وذلك ليس قلة الصبر ولا قلة العلم انما الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والحفظ لحدود الله كان موسى مستغرقا فى بحر جمال الحق وسماع كلامه المسرمد بلا واسطة وذلك الكلام اخبره عن سر الاسرار وغرائب علوم الربوبية وكان فارغا عن صورة رسوم علم المقادير التى يتعلق بالمنافع والمضار فعلم الشيخ شانه انه مع حاله وسكره بوصال الحق لا يحتمل ما لا يتعلق بتلك الكشوفات ولا باس به وان لم يعلم ذلك العلم فان السلطان لا يضربه ان لم يعلم علم التجارة قال جعفر لن تصبر مع من هو دونك فكيف تصبر مع من هو فوقك وقال بعضهم قال الخضر لموسى انك لن تستطيع معى صبرا ثم لم يصبر مع الخضر بقوله هذا فراق بينى وبينك ليعلم انه ليس لولي ان يتفرس فى نبى قال بعضهم آيسه من نفسه لئلا يشغله صحبته عن صحبة الحق ولما عزم امر طلب الزيادة فى موسى { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } تادَّب موسى واستثنى لانه كان عالما بان الصبر لا يكون الا بالله قال فارس موسى استثنى على نفسه بقوله ستجدنى ان شاء الله صابرا ولم يستثن الخضر على موسى بقوله انك لن تستطيع معى صبرا قال لان علم موسى فى ذلك الوقت علم تكليف واستدلال وعلم الخضر علم لدنى من غيب الى غيب وقال: موسى كان على مقام التاديب والخضر قائم مقام الكشف والمشاهدة لما جعل مؤدبا له ثم علم الخضر ان موسى صغر فى عينه علم من كان على وجه الارض ولا يلتفت من مقامه الذى هو الشهود مشهد رؤية الذات والصفات الى ما يظهر من المقدرات فى عالم الصورة التى يتعلق بمنافع الخلق من جلال شانه عند الله وعظيم علمه بنعت الله وصفاته فاوكد الامر وقال { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } دفع سؤاله فان الصادق يعلم الواقعة اذا كان متحققا وتبين له ما يريد بصدقه واخلاصه ولا يحتاج الى السؤال وحق المتابعة السكون عند تصرف الاستاذ قال الحصرى علم الخضر قصور علمه عن محل سؤال موسى وانه الجأ اليه للتأديب لا للتعليم فقال له ان اتبعتنى فلا تسألنى عن شئ لان علمك أعلى واتم وانما الجئت إلي للتأديب لا للتعليم فى خاص حال من الاحوال.