الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

قوله تعالى { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } هذا تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم فانه كان عليه السلام بقلبه فى الملكوت وبروحه فى الجبروت وبسره فى مشاهدة القدم وبعقله فى انوار غيبه مشتاقا الى الحق ولا يصبر فى الدنيا بان يكون مع الخلق بالصورة وكان يريد ان يطير الى منازل قاب قوسين كل وقت لما راى بين القوسين بغير الكونين مشاهدة الجلال والجمال فقال سبحانه احبس نفسك مع هؤلاء الفقراء العاشقين بجمالى المشتاقين الى جلالى الذين فى جميع الاوقات يسألون عنى لقاء وجهى الكريم ويريدون ان يطيروا بجناح المحبة الى عالم وصلتى حتى يكونوا متسلين بصحبتك عن مقام الوصال فان فى رؤيتك لهم رؤية ذلك الجمال فتكون معهم موافقا وسرك وعقلك وروحك وقلبك عندى فانها مواضع تجلى كبريائى واسرار عزتى ولا يطيق الكون ان يكون فى جوار قلبك فان قلبك معادن اسرار العليين ومزار الكروبين وهو عرش تجلى القدم ومعادن عيون الكرم ولا يليق به مصاحبة اهل العدم { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } فانهم ينظرون بعينك الىّ اذا كانت عينك فى طلب مشاهدتى فى مرآة افعالى من الخلق والخليقة { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } بان يواسيك برؤية الاكوان والحدثان لزيادة العرفان فان الوسائط فى الحقيقة تورث الغفلة عنا وهو سبحانه شغل قلوب الخلق بخلقه عن خلقه وحجبهم برؤية الخليقة عن مشاهدة الحقيقة فمن غافل سبب غفلته الجنة ومن غافل سبب غفلته خوف النار ومن غافل سبب غفلته استكبار العبودية ومن غافل غفلته رؤية الاعواض ومن غافل غفلته رؤية الكرامات ومن غافل سبب غفلته المجاهدات ومن غافل غفلته العيش الهنئ فى الدنيا وادق الغفلة السكون بما وجد من الحق والوقوف مع مقام الحظ فالكل محجوبون عن مشاهدات الازل صرفا اى لا تكن مثل هؤلاء الواقفين على مقاماتهم المحجوبين بحظوظهم من احوالهم قال ذو النون امر الله تعالى الاغنياء بمخالطة الفقراء والصبر معهم والاستنان بسنتهم قال الله { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } وقال عمرو المكى صحبة الصالحين والفقراء الصادقين عيش اهل الجنة ينقلب من الرضا الى اليقين ومن اليقين الى الرضا وقال ابن عطا خاطب الله نبينا صلى الله عليه وسلم وعاتبه ونبهه وقال واصبر على من صبر علينا بنفسه وقلبه وروحه وهم الذين لا يفارقون محل الاختصاص من الحضرة بكرة وعشيا فحق لمن يفارق حضرتنا ان تصبر عليه فلا تفارقه وسئل ابو عثمان عن الغفلة فقال امهال ما امرت به ونسيان تواتر نعم الله عندك وقال بعضهم الغفلة عقوبة القلب وهو حجابه عن المنعم وقال سهل الغفلة ابطال الوقت بالبطالة وقال الاستاذ قال { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } ولم يقل قلبك لان قلبه كان مع الحق فامره بصحبة الفقراء جهرا بجهر واستخلص قلبه لنفسه سراً لسر.