الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً }

قوله تعالى { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } وصف الله سبحانه اوّل زمرة السبعة المختارة من اصحاب الكهف والثلاثة المختارة من اصحاب الرقيم وهم فتيان المعرفة الذين خلقوا بسجية الفتوة وفتوتهم اعراضهم عن غير الله وعن الكون جميعا واقبالهم على الله بنعت ايوائهم الى كهوف وصاله وظلال جماله وحصون انسه وقصور قدسه بذلوا مهجتهم لله بلا نصب لانفسهم وطلبوه منه ودخلوا فى فرار قربه ومساقط انوار شهوده فلما استقاموا فى منازل الانس ومشاهدة القدس ورأوا محبوبهم بنعت الرعاية والكلاية هيجهم نور البسط وسر الافتقار الى سؤال زيادة القربات والمداناة { فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } معرفة كاملة وتوحيدا عزيزا وهيّى لنا من امر محبتك رشد اصابتك والوصول الى وصال قدمك الذى بلا زوال ولا امتحان فهناك مقيل السعادة الكبرى ومراقد المشاهدة الكبرى قال الاستاذ اواهم الى كهف بظاهرهم وفى الباطن مهد مقيلهم فى ظل اقباله وعنايته ثم اخذهم عنهم وقام عنهم فاجرى عليهم الاحوال وهم مصطلمون عن شواهدهم فلما عاينوا من الكشف الاكبر والرضوان الاعظم استطابوا الوقت وخافوا الفوت والتجأوا منه اليه فالطف عليهم الحق سبحانه فغيبهم عن الوجود واخذهم بنفسه عن وجودهم بقوله { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } ذكر واحداً من الاحساس وجميعها مستغرقة فى انوار وطاه هيبة الجلال عليم لما سترهم وضرب عليهم سرادق غيرته بقى عليهم حس الاذان فضرب على اذانهم ستر الغيرة حتى لا يجسوا اصوات الاغيار ادخلهم فى قباب عصمته وآنسهم بحسن مشاهدته وغيبهم عنهم فيه وزوال عنهم رسوم البشرية فبقوا مع الحق بالحق ناظرا الى الحق بلا فترة وفيه نكتة لطيفة لما راوا الحق بهتوا فى انوار قدمه وفنوا فى سطوات عظمته وذهبوا عن مقام سماع الخطاب ولو بقى عليهم سماع الخطاب لم يستحكموا فى مقام الخطاب على حد الرضا مقام الاستلذاذ والانس والبسط والبقاء فافناهم عنها لاستيفاء حظ التوحيد والفناء عنهم وايضا صارت اسماع الظاهر الى سماع بواطنهم فسمعوا باسماع القلوب والارواح والاسرار وما سمعوا من الحق شغل اسماع خواطرهم عن اسماع الاصوات المختلفة قيل اخذنا عنهم اسماعهم حتى لا يسمعوا الا منا واخذنا عنهم ابصارهم فلا ينظروا الا الينا حتى لا يكون لهم الى الغير التفات ولا للغير فيهم نصيب بحال وقال ابن عطا اخرجنا منهم صفة البشرية وافنيناهم بصفات القدسية قدسنا ظواهرهم وبواطنهم وجعلناهم اسراء فى القبضة ثم رددناهم الى هياكلهم وصفاتهم بقوله { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } وقال ايضا ان الفائدة فى الضرب على الاذان وليس للاذان فى النوم شئ انه ضرب على اذانهم حتى لا يسمعوا الاصوات فينتبهوا ويكونوا من الخلق كلهم فى راحة قال الاستاد اخذناهم عن احساسهم بانفسهم واختطفناهم عن شواهدهم بما استغرقناهم فيه وحقائق ما كنا سقيناهم به من شهود الاحدية واطلعناهم عليه من دوام نعت الصمدية فلما استوفوا حظ شهود الغيب ولطائف مقام السكر وأراد ان يجعلهم من مقام الصحو لهم حظا رفع عنهم برجاء الهيبة وسجوف ليالى الحشمة وافاقهم عن خمار السكرة بقوله { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } اقامهم مقام الاستقامة ليعرفوا منازل القرب بنعت الصحو لان السكارى صيّروا فى قفار الديمومية بالحظ والوجد لا بالمعرفة وليعرفوا مسالك الحقيقة اهل الارادة قال الاستاد اى رددناهم الى حال صحوهم واوصاف تمييزهم واقمنا شواهد التفرقة بعدما محوناهم عن شواهدهم بما اقمناهم بوصف الجمع.