الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }

قوله تعالى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } كرامته سابقة على كون الخلق جميعا لانها من صفاته واختياره ومشيته الاوليّة اوجد الخلق برحمته وخلق آدم وذريته بكرامته، الخلق كلهم فى حيز الكرامة الرّحمة للعموم والكرامة للخصوص خلق الكل لآدم وذريته وخلق آدم وذريته لنفسه لذلك قالوَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } جعل آدم خليفته وجعل ذريته خلفاء ابيهم الملائكة والجن فى خدمتهم والامر والنهى والخطاب معهم والكتاب انزل اليهم والجنة والنار والسماوات والارض والشمس والقمر والنجوم وجميع الآيات خلق لهم والخلق كلهم طفيل لهم الا تراه يقول لحبيبه لولاك لما خلقت الكون ولهم كرامة الظاهر وهى تسوية خلقهم وظرافة صورتهم وحسن فطرتهم وجمال وجوههم حيث خلق فيها السمع والابصار والالسنة واستواء القامة وحسن الشيء والبطش واستماع الكلام والتكلم باللسان والنظر بالبصر وجميع ذلك ميراث فطرة آدم التى صدرت من حسن اصطناع صفته الذى قال خلقت بيدى فنور وجوههم من معدن نور صفته فانوار الصفات انورت آدم وذريته فيكونون من حيث الصفات والهيآت والحسن والجمال متصفين متخلقين بالصفات لذلك قال عليه السّلام " خلق الله آدم على صورته " من حيث التخلق لا من حيث التشبه ولهم كرامة الباطن وهى العقل والقلب والروح والنفس والسر وفى هذه الجنود خزائن ربوبيته فالنفس مع جنود قهره والعقل مع جنود لطفه والقلب مع جنود تجلى صفاته والروح مع جنود تجلى ذاته والسر مستغرق فى علوم اسراره فالكل مكرمة بكشوف الصفات ممن له استعداد رؤية الصفات ومن له استعداد رؤية الذات فهو فى مشاهدة الذات فبكرامته عرف العقول اياته وعرف النفوس عبوديته وعرف القلوب صفاته وعرف الارواح جلال ذاته وعرف الاسرار علوم اسراره فاعطى العارفين من سمعه اسماعا ومن بصره ابصارا ومن كلامه خطابا ومن علمه قلوبا ومن سره اسرارا ومن انوار صفاته ارواحا ومن انوار افعاله عقولا فخلقهم بخلقه ووصفهم بوصفه فمن حيث الاتصاف متصفون ومن حيث الاتحاد متحدون ومن حيث العبودية هم فى الربوبية يطيرون باجنحة الازلية فى ظلال حيزوم القدم مع الحق الى ابد الابد فاى كرامة اشرف مما ذكرت يا كريم ابن الكريم يا آدم بن آدم يا عارف البقلى تعرف من انت يفنى الناسوت فى اللاهوت ويبقى اللاهوت للناسوت وخاطب اللاهوت مع اللاهوت العارفون ينظرون اليك من مجالس سرادق مجد الكبرياء ويفرحون بك فى عالم البقاء طيب الله وقتك من اين انت واين مأواك من حيث لا يعرفونك الكل ثم ان الله سبحانه اسقط العلل والاسباب من مواضع تفضيلهم من حيث كرّمهم قبلهم بكرامته ومحبته السابقة لهم ثم بين عقب كرامته بانه بعزه وجلاله جعلهم فى بر الصفات بمراكب عناياته وفى بحر الذات بسفن محبته وكفاياته قال { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ادارهم فى برارى النعوت والصفات بانوارها: واجراهم فى بحار الذات بسفن انوارها فاستفادوا من برارى الصفات معادن المعارف واستفادوا من بحار الذات اصداف جواهر الكواشف حملهم فى بر العبودية بمراكب المعرفة وحملهم فى بحر الربوبية بمراكب المحبة حملهم فى بر المجاهدات بمراكب الشريعة وحملهم فى بحر المشاهدات بمراكب الحقيقة ثم رزق اسرارهم موائد العلوم الغيبية ورزق ارواحهم فيض الوصلة ورزق قلوبهم لطائفه القوية ورزق عقولهم حقائق الحكمة ورزق اشباحهم فيض عناصر فعله عن منابت عنصر الخليقة بتواثير مياه قدرته وظلال ليالى رحمته وانوار شموس كفايته وصفاء اقمار كلايته فهم على خوان الرحمانية وموائد الكرامة قال { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } ثم قرّبهم منه من البرية وكساهم حلل المغفرة وجمعهم فى دار الوصله وادار الكون لهم بالخدمة قال { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } قال ابن عطا فى قوله { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } ابتدأهم بالبر قبل الطاعات وبالاجابة قبل الدعاء وبالعطاء قبل السؤال، كفاهم الكل من حوائجهم ليكونوا لمن له الكل وبيده كفاية الكل، سئل ذو النون فى قوله { كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } قال بحسن الصوت وقال الجنيد بالفهم عن الله وقيل بالخلق وقيل بتقويم الخلقة واستواء القامة وقال الواسطى بان سخرنا لهم الكون وما فيها لئلا يكونوا فى تسخير شئ ويتفرغوا الى عبادة ربهم وقال جعفر بالمعرفة وقال بعضهم معنى البر النفس ومعنى البحر القلب فمن حمله فى النفس فقد اكرمه بنور التدبير ومن حمله فى القلب فقد اكرمه بنور التأييد فمن لم يكن له نور التأييد وكان له نور التدبير يكون هلاكه عن قريب وقال الواسطى البر ما اظهر من النعوت والبحر ما استتر من الحقائق وقال فى مشاهدة ابده قسمت الوقتين الفصل والوصل وهو البر والبحر وقال ابو عثمان الرزق الطيب هو الحلال وقال فضلناهم بالمعرفة على جميع الخلائق وقال ابو حفص بان بصّرناهم عيوب انفسهم وقال الجنيد باصابة الفراسة قال السيارى فضلنا العلماء على الجهال بالعلم بالله واحكامه.