الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله تعالى { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } اذا وصل العارفون الى مشاهدة الحق حين فارقوا من الدنيا وغابوا فى جماله وجلاله واستغرقوا فى بحار اوليته يناديهم الحق يوم العرض الاكبر يا احبائى وعرفائى واصفيائى واوليائى احضروا ساعة مواقف رؤية صنائعى وافعالى فى يوم الحشر وانظروا آثار ربوبيتى فى خلقه فيستجيبونه بلسان الثناء والحمد له وعليه وجدوا منه من لطائف قربه ولذائذ جماله وجلاله شبه السكارى ويقولون بعزتك وجلال مجدك وكبريائك ما رايناك لمحة اتركنا من مشاهدتك حتى نراك لحظة وربما عاشوا فى جماله الف سنة واستقلوا ذلك لعظيم حلاوة وصله ولذائذ عيشهم فى قوله لم يعرفوا مرور الزمان وانقلاب الملوان لذلك قال سبحانه { وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } الحق ما اطيب ذلك العيش حيث نسوا مرور اعمال الوصال الا ترى الى قول القائل
شهور ينقضين وما شعرنا   بانصاف لهن ولا سرار
وفيه نكتة اخرى ان العارفين محبوسون فى الدنيا، فاذا دعاهم فيستجيبون داعى الحق بحمده ويقولون الحمد لله الذى خلصنا من حبس الهجران ومكان الحرمان وجوار الشيطان وورطات الطغيان وعلة الزمان والمكان ومصاحبة الحدثان كانهم يجيبون داعى الحق مكان الجواب بلبيك بقولهمٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } وفيه اشارة ان الجمهور فى ظنون وحسبان من امر المشية وجريان القدر ووقوع الرضا والسخط فاذا دعاهم الحق اليه ورأوه بوصف الرضا وزوال الخطر هيجهم رؤيته الى الحمد والثناء عليه حيث يقع الامر بخلاف ظنونهم فيه لان امر العاشق عند المعشوق اسهل مما يظن العاشق وسبب جوابهم بالحمد ايضا لا بالتنزيه والتقديس أو كل ذكر من وصف صفاته لان جميع ذلك يتعلق بالمعرفة وهم كانوا فى ذلك مقصرين حيث لم يذكروه بالحقيقة ولم يعرفوه بالحقيقة ولم يعبدوه بالحقيقة فلما رأوا جميع الحقائق فانية عند كشف مجد جلاله يقولون فى جواب مناداة الحق الحمد لله بما حمد نفسه فى الازل حيث امتنع بجلاله عن معرفة كل عارف وذكر كل ذاكر وبانه ليس للحدثان الى معرفته طريق كان حمدهم ذهابهم عن رؤية اعمالهم وحالاتهم ومعارفهم وعلومهم بالله فشكروه به لانهم ما نالوا من مواهبه السنية بغير علة الحدثية قال بعضهم من اسمعه الحق الدعوة وفقه للجواب ومن لم يسمعه الدعوة كيف يجيب من لم يسمع وقال الجنيد فى قوله فتستجيبون بحمده يقولون الحمد لله الذى جعلنا من اهل دعوته.